Author

اقتصاد الدبلوماسية ودبلوماسية الاقتصاد

|
لم يعد مفهوم الاقتصاد يقتصر على الوصول إلى الاكتفاء الذاتي وتحقيق النمو والوفرة في المال فحسب، بل اتسع ليشمل مجالات عدة. ففي ظل التغير في بيئة النظام العالمي، وتوحيد العولمة للجسد الدولي، من خلال انفتاح الأسواق الوطنية على الأسواق الحرة الدولية بحيث باتت قوة الدول تقاس بقوتها ليست فقط العسكرية بل كذلك الاقتصادية، تخلت الدول عن المفهوم التقليدي في إدارة العلاقات بينها، على الرغم من بقاء مصلحة الدولة عاملا مسيطرا على سلوكها. ومع التطورات التي يشهدها العالم اقتصاديا وكذلك سياسيا أصبح من المستحيل فصل السياسة عن الاقتصاد، حتى أضحى الاقتصاد سببا رئيسا في نشوء العلاقات الدبلوماسية بين الدول، بل أصبحت الدبلوماسية تستخدم الاقتصاد في أحيان كثيرة لخدمة أهداف الدولة. يلعب الاقتصاد دورا مهما في رفع قوة الدولة داخليا عبر زيادة الإنتاج وعديد من الوسائل الأخرى التي تهدف للوصول للاكتفاء والوفرة، بيد أن للاقتصاد كذلك دورا خارجيا مهما في رفع قوة الدول اقتصاديا، ووضعها ضمن مصاف الدول العظمى على المستوى الاقتصادي وكذلك السياسي. تعتبر المملكة من أهم دول العالم في المساعدات الإنسانية الخارجية، وكذلك في مجال الإقراض للمشاريع الدولية التنموية، ضاربة بذلك مثلا متميزا في العمل الذي يهدف للتنمية الدولية والإقليمية ومعززة بذلك دبلوماسية المملكة الدولية عبر الحضور الاقتصادي لدى عديد من دول العالم وكذلك المنظمات الدولية من ضمنها الدول الـ 20 المؤثرة اقتصاديا في العالم. الدبلوماسية الاقتصادية هي شكل من أشكال الدبلوماسية. وهي استخدام الأدوات الاقتصادية بشكل كامل من الدولة لتحقيق المصلحة الوطنية، وتشمل الدبلوماسية الاقتصادية كل الأنشطة الاقتصادية، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر التصدير، والاستيراد، والاستثمار والإقراض والمساعدات، اتفاقيات التجارة الحرة وما إلى ذلك. تتكون دبلوماسية الاقتصاد بشكل مبسط من معرفة كل من النطاق، ويقصد به نوع ومستوى القضية الاقتصادية المحلية أو الإقليمية أو الدولية، وكذلك اللاعبين سواء من دول أو منظمة دولية. يمكن تحديد عدد من المرتكزات المهمة في هذا المجال وهي: أولا إن استخدام النفوذ السياسي والعلاقات لتعزيز التأثير التجاري والاستثمار الدوليين، لتحسين أداء الأسواق ولمعالجة إخفاقات السوق والحد من تكاليف ومخاطر المعاملات عبر الحدود. ثانيا السياسات واتفاقات التجارة والاستثمار واستخدام الأصول الاقتصادية والعلاقات إلى تعزيز المنافع المتبادلة للتعاون والعلاقات المستقرة وبالنتيجة تهدف إلى زيادة الأمن الاقتصادي. ثالثا المنظمات الدولية، فهي تتيح طرقا لتعزيز المناخ السياسي المناسب والبيئة الاقتصادية والسياسية الدولية، وترفع الصورة الوطنية. وقد تقوم الدول بزيارات دبلوماسية ومعها رجال الأعمال لتعزيز الاستثمارات والتجارة البينية في قطاع ما، وقد توجه الدولة، بناء على مصلحتها. من ناحية أخرى، يتجلى مظهر من مظاهر المسؤولية الوطنية للشركات، لا سيما تلك الموجودة في الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية بالعمل على تعزيز صورة المملكة الطيبة دوليا، وإظهار الوجه الحضاري للقيم العربية والإسلامية. لذا، يمكن أن توجه الدولة بعض المبادرات الاقتصادية عن طريق الدبلوماسية الاقتصادية، لكن ماذا لو قامت القطاعات الوطنية في مجال التراث والسياحة وتفوق أدبي وثقافي وغيرها من نقاط القوة الحضارية في المملكة، بالشراكة مع الشركات الكبرى ببرامج تطرح الجانب الحضاري والتراثي والقيمي، أمام العالم أجمع أي اقتصاد يتولد من تلك الدبلوماسية؟
إنشرها