Author

ماذا يعني استقطاع 75 % من الراتب؟

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
تمثل هذه النسبة مجموع النسبة الجديدة لإمكانية استقطاع أقساط القرضين الاستهلاكي والعقاري من صافي راتب المقترض، وتبلغ 65.0 في المائة، مضافا إليها نسبة استقطاع التقاعد البالغة 9.0 في المائة، مضافا إليها نسبة استقطاع «ساند» 1.0 في المائة إذا كان المقترض يستقطع تقاعده إلى المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية. ويأتي استقطاع 65.0 في المائة من الراتب الشهري للمقترض، لقاء تمويله لشراء مسكنه الخاص، ضمن عمليات تمويلية معقدة تقوم على إمكانية تمويل المقترض بقرض استهلاكي يعادل نسبة مقدم التمويل العقاري، قد تكون 15.0 في المائة حسب الإجراءات الأخيرة، التي أعلنت عنها مؤسسة النقد العربي السعودي، وقد تصل إلى 30.0 في المائة، وسيكون لهذا النوع من التمويل الاستهلاكي معدل فائدة مستقل. ثم ينشأ لاحقا قرض آخر (التمويل العقاري) ويكون له معدل فائدة مستقل عن الأول، وحتى استقطاع قسطه الشهري سيكون مستقلا عن الأول، إذ سيترتب على كل هذه العمليات التمويلية المتداخلة، أن المقترض سيتم خصم قسطين من راتبه كل شهر، قسط يغطي الاستحقاق الشهري للتمويل الاستهلاكي، وقسط آخر يغطي استحقاق التمويل العقاري. قد تمتد فترة سداد تلك الأقساط الباهظة من 15 عاما إلى 25 عاما، يحددها قيمة الأصل العقاري المشترى، ومستوى الراتب الشهري للمقترض، إضافة إلى عمره. بداية؛ تعد الشريحة من العاملين السعوديين ذوي الدخل الشهري القابل لتطبيق هذه المعادلة التمويلية المعقدة والمكلفة، شريحة هي الأدنى نسبة بين بقية شرائح العاملين في القطاعين الحكومي والخاص، عدا أن نسبة من يتملكون مساكنهم من تلك الشريحة تعتبر الأعلى مقارنة ببقية الشرائح، قياسا على قدرتهم المالية الأفضل من غيرها، بل قد تجد منها من هو في الأصل ضمن المستثمرين إما في بيع وشراء الأراضي، وإما بناء الوحدات السكنية ومن ثم بيعها وتحقيق أرباح مجزية. لكن سيبقى جزء مهم من هذه الشريحة المحتمل إقبالها على مثل هذا النوع من التمويل لأجل شراء مساكنهم، الذي سيترتب عليه قياسا على ضخامة الاستقطاع من رواتبهم الشهرية، أن يتم إدراجهم ضمن شرائح ذوي الدخل المحدود أو الأدنى بعد خصم تلك الأقساط، وليس هذا الأثر بالكبير مقارنة بالآثار الأخرى الأثقل وزنا كما سيأتي ذكرها بعد قليل. إن من أهم تلك الآثار الأخرى، أن يتم توظيف هذا النوع من التمويل المحدود الجدوى لدعم مستوى أسعار الأراضي والعقارات، فتبقى متضخمة سعريا كما هو حالها في الفترة الراهنة، أو أن تذهب في أحلامها بعيدا فتتسبب في الدفع بها إلى مزيد من الارتفاع! الذي بدوره سيزيد من التعقيد الخطير لحلول الإسكان بالنسبة لبقية شرائح المجتمع الأدنى دخلا، بل قد تزداد الأمور تعقيدا عبر الاستمرار في ابتكار مزيد من أدوات التمويل والإقراض الخاصة بتلك الشرائح الاجتماعية المتدنية الدخل. الرابط المشترك هنا بين كل تلك الصعوبات التنموية، يتمثل في الإبقاء على تضخم أسعار الأراضي والعقارات، أو حتى دعم ارتفاعاتها غير المبررة، ما سيزيد من تكلفة حلول أزمة الإسكان على كاهل الدولة والمجتمع على حد سواء! إن أي حلول تمويلية تقوم على زيادة الاستقطاع من رواتب الأفراد، لأجل سداد أقساطها الشهرية على اختلاف أنواعها، وبتلك النسب التي تصل إلى 65.0 في المائة من الراتب الشهري، مضافا إليها نسب استقطاع التقاعد و"ساند"، لتنتهي عند مستوى ثلاثة أرباع الدخل الشهري للفرد، تعني في حقيقتها تخصيص تلك النسب القصوى والمرتفعة من الدخل المتاح للأفراد وأسرهم لأجل مكافأة تشوهات السوق العقارية، وتعني أيضا انخفاض حصة بقية نشاطات الاقتصاد الوطني إلى ما دون 25.0 في المائة فقط من الدخل المتاح لأفراد المجتمع، عدا ما يحتمله هذا السيناريو المقلق من زيادة في مستويات المخاطرة على الاستقرارين الاقتصادي والاجتماعي محليا، وما سينتج عنه من استمرار تدفق آثار استدامة تشوهات السوق العقارية إلى بقية نشاطات الاقتصاد، بدءا من تضخم أسعار الأصول العقارية المختلفة، مرورا باستمرار ارتفاع تكلفة إيجاراتها السنوية، وما سينتج عنهما من زيادة في الضغوط على مستويات المعيشة بالنسبة لأفراد المجتمع، أو زيادتها تكلفة الإنتاج والتشغيل على كاهل منشآت القطاع الخاص، وما ستنتهي إليه تلك الآثار على القطاع من خفض قدرته التنافسية، وخفض قدرته على التوظيف، وكل هذا نتيجة لارتفاع تكلفة التشغيل عليه بسبب ارتفاع الإيجارات السنوية لمواقعه. ولا تقف النتائج السلبية عند هذه الحدود، بل تتخطاها إلى جوانب اقتصادية واجتماعية أخرى أكثر خطورة، منها أن التباين في مستويات الدخل سيزداد كثيرا، بين مستواه بالنسبة لتلك الشريحة الضيقة من الأفراد المالكة للأراضي والعقارات (الجانب البائع أو المؤجر)، من جهة أخرى بقية الشرائح الاجتماعية الواسعة على اختلاف مشاربها (الجانب المشتري أو المستأجر)، ليتكدس مزيد من الثروات والأموال لدى الشريحة الأولى المحدودة العدد، مقابل ارتفاع حجم المديونيات والأعباء المعيشية على الشريحة الثانية الأكبر عددا، فأي اختلال تنموي واقتصادي واجتماعي بالغ الخطورة نحن نسير جميعا في طريقه؟ وهل من سبيل لإعادة إدراك حجم المخاطر الوخيمة التي نصنعها اليوم، قد نتلظى غدا بنيرانها وحرائقها التي لا قبل لنا بها أبدا؟! والله ولي التوفيق.
إنشرها