Author

هل يحتاج أصحاب الأراضي إلى مهلة؟

|
من يملك الأرض اليوم ولم يقم بالتحرك خلال الفترة الماضية لإعادة توجيه استثماراته في المجال العقاري من كنز الأموال في الأراضي إلى التطوير، لا أعتقد أن من المناسب إعطاءه مهلة، ولأن وزارة الإسكان غير مسؤولة عن القرارات الاستثمارية الخاطئة، وليست معنية بتلبية حاجات المستثمر، لذا يجب أن ينصب اهتمامها على تلبية حاجة السواد الأعظم من المواطنين، وتسهيل عمل المطورين لإنتاج الوحدات السكنية التي تتناسب مع إمكانات المواطن وحاجته. المستثمر المحنك هو من ينظر إلى مجريات الأمور من حوله ويحلل ويدقق ويحاول اقتناص الفرص المتاحة ويتنبأ بالمخاطر المحتملة وهذا يمكن اختصاره بما يسمى بالإدارة الاستباقية، في منتصف 2011 وافق مجلس الشورى على مقترح فرض رسوم سنوية على الأراضي البيضاء، وحينها أصر أصحاب الأراضي على أن هذا القرار لا يمكن أن يكون واقعا لأن سياسة الدولة لن تدعم مثل هذا التوجه الضار بالعقار في وجهة نظرهم، ورددوا بكل ثقة "تزداد قيمة الأرض كلما أحرقتها الشمس" كناية عن أهمية الاحتفاظ بها لأطول فترة ممكنة للاستفادة من نمو قيمتها بحبسها عن السوق، ثم تجاهلوا الإجراءات الرسمية التي امتدت لأكثر من سنتين تقريبا وذلك منذ مطالبة وزير الإسكان السابق د. شويش الضويحي بتفعيل فرض رسوم الأراضي البيضاء كأحد أهم الحلول لمشكلة القدرة على التملك، ثم تجاهل من بقي منهم الإجراءات الحثيثة خلال العام المنصرم لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية ووزارة الإسكان ممثلة في الوزير ماجد الحقيل، لدراسة النظام بشكل جاد حتى خرج إلى النور بعد موافقة مجلس الوزراء عليه في يوم الإثنين الثالث من جمادى الآخرة 1436 هـ، الموافق 23 آذار (مارس) 2015، وما زال بعضهم حتى الآن يرى في نفسه دهاء وقدرة خارقة تؤهله للتملص من دفع الرسوم بشكل سنوي، وأنه ببساطة سيتمكن من تحميل قيمتها على المشتري لتتحول إلى ضريبة شراء، وحجته في ذلك أن لائحة نظام الرسوم لا يمكن أن تكون دقيقة بما يكفي لسد جميع الثغرات، وأن وزارة الإسكان ليست جادة في تنفيذ النظام، ولكن غفل هؤلاء أن الزمن قد تجاوزهم، وأن الكلمة الغالبة اليوم لا بد أن تكون للعدل والإنصاف لأغلبية المواطنين الذين ينتظرون لحظة تسلمهم صك ملكية وحدة سكنية، وأن مشكلة الإسكان باتت تؤرق القيادة والمواطن، حيث إنها تقتطع ما يقارب 30 في المائة من الدخل الشهري كإيجار، وقد يصل الاقتطاع إلى 50 في المائة عند الالتزام بتمويل عقاري. المرحلة الراهنة لا بد أن تكون مرحلة تلمس احتياجات المواطن وتحقيق رفاهيته في أقصر مدة زمنية، وهذا هو الدور الذي يجب على الجهات التنفيذية العمل على أساسه ووزارة الإسكان لديها ملف حساس يتعلق بالمواطن ومستقبل الأجيال، وبالتالي لم تعد تجدي المجاملات وأنصاف الحلول، وليس من الحكمة التماس الأعذار وتعطيل القرارات من أجل توجهات استثمارية غير مدروسة، لأن من أساسيات الاستثمار في سوق العقار معرفة المخاطر المحيطة بهذه السوق، ومن أهم المخاطر المباشرة التي ذكرت في عديد من الدراسات المتعلقة بهذا الشأن وآخرها التقرير الصادر من منتدى الاستثمار العقاري في لندن، الذي يشير إلى أن تغير التشريعات والأنظمة يعد من المخاطر المؤثرة في سوق العقار ومن شأنه أن يجعل بعض الاستثمارات أقل أو أكثر جاذبية بناء على نوع القرار وتبعاته، وهذا حال نظام رسوم الأراضي البيضاء، التي يفترض أن تكون ضمن قائمة المخاطر منذ خمس سنوات عند اتخاذ قرار شراء أرض للاستخدام السكني، كما أن من واجب المستثمر دراسة استراتيجية التخارج التي توضح المدى الزمني المناسب للتخارج من الاستثمار ومعرفة سبل التمويل المتاحة لإنجاز المشروع وذلك قبل الاستحواذ عليه، وبالتالي لا ينبغي لوزارة الإسكان تحمل تبعات قرارات استثمارية غير مدروسة، ومغامرات لم تراع أساسيات الاستثمار العقاري المتعارف عليها علميا وعمليا. الخلاصة، طرح اقتراح رسوم الأراضي البيضاء منذ أكثر من خمس سنوات وارتفعت خلالها أسعار الأراضي وكانت مجدية للمطور الذي يود أن يستفيد ويفيد، أما من لم يحاول أن يطور فمن الواضح أن لديه إشكالية في فهم طبيعة الاستثمار، ولذلك ليس من الحكمة أن تتورط وزارة الإسكان بتغطية مخاطر المحتكرين أو من لم يدرس قرار استحواذه على أرض سكنية خلال السنوات القليلة الماضية، والمهم حاليا أن تركز الوزارة على رفع قدرة التملك لدى الغالبية العظمى من الأسر، ودعم وتسهيل إجراءات المطورين للوحدات السكنية، وذلك بالبدء بتطبيق قرار الرسوم دون استثناءات على الأراضي الفضاء المخدومة ببنية تحتية أو الخام (غير المطورة)، إلا لمساحة سكنية محدودة للاستخدام الشخصي، وأن تشمل كل من لم يستخرج أو يقدم على تصريح لتطوير أو بناء أرضه قبل عام 2013، لأن الفرص كانت مواتية للمطور الجاد ونمو قيمة الصفقات وأعداد الصناديق العقارية خير شاهد على ذلك، وباختصار من تأخر فهو يراهن على ضعف تنفيذ النظام وإمكانية التحايل عليه، وهذا ما يجب على وزارة الإسكان أن تحذر منه.
إنشرها