FINANCIAL TIMES

«المشروب المالح» سلاح أمريكا الجديد لمواجهة روسيا والصين

«المشروب المالح» سلاح أمريكا الجديد لمواجهة روسيا والصين

عندما يكتب المؤرخون عن الابتكار التكنولوجي في النصف الأول من هذا القرن، من المرجح أن يولوا اهتماما خاصا للطائرة بدون طيار التابعة للبحرية الأمريكية، المسماة "إكس-47 بي" المعروفة باسم "المشروب المالح". قبل عامين كتبت الطائرة ذاتية القيادة فصلا جديدا في تاريخ الطيران عندما هبطت على سطح حاملة طائرات من تلقاء نفسها - حدث هذا من دون مساعدة طيار يشغلها عن بعد. وفي العام الماضي سجلت الطائرة غير المأهولة سابقة أخرى حين تزودت بالوقود من طائرة وقود أثناء تحليقها في الجو. وقطعت بذلك شوطا طويلا في إظهار قدرة الطائرات بدون طيار، شبه الذاتية، على تنفيذ عمليات قصف في أماكن بعيدة. وبالنسبة لقيادة البنتاجون، الابتكارات مثل إكس-47 بي تعتبر محاور لموجة جديدة من التكنولوجيا العسكرية يأمل المسؤولون أن تبقي الولايات المتحدة متفوقة على الصين وروسيا، اللتين عملت استثماراتهما الكبيرة في السنوات الأخيرة على إغلاق الفجوة. قال آشتون كارتر، وزير الدفاع في كلمة ألقاها الأسبوع الماضي: "يجب أن نكون مستعدين للعدو المتفوق". كارتر الذي يعترف بهوسه بالتكنولوجيا، يواجه لحظة الحقيقة. فمنذ توليه منصب وزير الدفاع قبل عام، تعهد بترسيخ هذه الثورة التكنولوجية في الطريقة التي يفكر بها البنتاجون حول مستقبله. صدور ميزانية البنتاجون لعام 2017 هذا الأسبوع سيعطي مؤشرا على ما اذا كان قد بدأ في تحقيق النجاح، أو ما إذا تم إبطال مسعاه بسبب المصالح الراسخة في الوزارة، والجمود البيروقراطي، والمطالب اليومية. فعلى مدى العامين الماضيين شهدت وزارة الدفاع الأمريكية مقترحات عديدة لتخفيض الأسلحة، والفوائد، والقواعد التي أبطلها الكونجرس، في كثير من الأحيان بعد ضغوط من قبل دوائر موجودة داخل وزارة الدفاع. يقول شون بريملي، وهو مسؤول سابق في البيت الأبيض يتولى الآن موقعا في مركز الأمن الأمريكي الجديد التابع للبنتاجون: "إنها اللحظة التي نرى فيها ما إذا كان قد تمكن من تحويل لغته الفخمة إلى واقع". ويضيف: "حتى الآن، الأمر يثير إعجابي". استخدم كارتر الخطاب الذي ألقاه الأسبوع الماضي في محاولة لإثبات أن خططه كانت تكتسب زخما، معلنا أن ميزانية البحوث في البنتاجون ستزداد للسنة الثانية على التوالي. وفي عام 2017 ستكون 71.4 مليار دولار من جملة نفقات دفاعية تقدر بـ 582.7 مليار دولار. قوات أرضية أقل ينبغي لمسؤولي الدفاع الأمريكيين التعامل مع واقع منقسم. فهم يقضون جانبا كبيرا من أيامهم في الانشغال بقتال "داعش"، لكن بعد 15 عاما من الصراع الطاحن في الشرق الأوسط، تستعد وزارة الدفاع لعهد جديد يعرفه كارتر بأنه "منافسة القوى العظمى". كارتر يحمل شهادتين، واحدة في تاريخ العصور الوسطى والأخرى في الفيزياء النظرية، وهو يحاول حشد المؤسسة الدفاعية الأمريكية للتفكير في صراع التكنولوجيا العالية في المستقبل مع الصين وروسيا. ويجادل بأنه لا يمكن الحفاظ على الردع إلا بإعادة تأكيد التفوق التكنولوجي الأمريكي. وقال: "الجيش الأمريكي سيقاتل بشكل مختلف جدا في السنوات المقبلة عما لدينا في العراق وأفغانستان، أو في ذاكرة العالم الماضية". البنتاجون يسمي النهج الجديد "استراتيجية التعويض الثالث" وهي تأتي بعد طفرتين تكنولوجيتين سابقتين خلال الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية. كانت الأولى هي الاستثمار الكبير في الأسلحة النووية في خمسينيات القرن الماضي للتعويض عن تفوق القوات التقليدية السوفياتية. فبعد توسيع الاتحاد السوفياتي لترسانته النووية سعت الولايات المتحدة لتحقيق ميزة أخرى في السبعينيات. واستثمرت وزارة الدفاع الأمريكية في مجال التكنولوجيا لتأكيد هيمنة الولايات المتحدة على جيل آخر، بما في ذلك طائرات الشبح، والصواريخ الموجهة بدقة، وأقمار الاستطلاع، والنظام العالمي لتحديد المواقع. والمجالات المنبثقة عن هذا الابتكار العسكري تشمل الإنترنت. لكن على مدى العقد الماضي وجدت كل من الصين وروسيا الطرق لعرقلة تلك المزايا. ووفقا لمسؤولين أمريكيين، استثمارات بكين الضخمة في مجموعة واسعة من الصواريخ يحتمل أن تكون قد أعطت الصين القدرة على إرباك الدفاعات في القواعد الأمريكية في آسيا، وهذا يمكن أن يعرض حاملات الطائرات في المنطقة للخطر. كذلك سمحت أنظمة دفاع جوي متطورة في روسيا بإقامة ما أطلق عليه الجنرال فيليب بريدلوف، قائد حلف شمال الأطلسي "فقاعات مكافحة الوصول" في سورية التي سيكون من الصعب بالنسبة للقوات الأمريكية اختراقها. وقال روبرت ويرك، نائب وزير الدفاع العام الماضي: "ما من شك في أن التفوق التكنولوجي العسكري الأمريكي آخذ في التلاشي". الإنفاق الدفاعي الرسمي في الصين، البالغ 144.2 مليار دولار، لا يمثل سوى ربع مثيله في الولايات المتحدة، لكن بعد زيادات برقمين خلال معظم العقدين الماضيين، يعتقد المختصين أن ترسانتها من الصواريخ الدقيقة والمضادة للسفن، وكذلك الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية، تمثل تحديا حقيقيا للولايات المتحدة في غرب المحيط الهادئ. والهدف الأساسي من الاستراتيجية الجديدة هو العثور على أسلحة وتكنولوجيا تضمن كما أشار أحد المسؤولين، أن القوات الأمريكية "يمكن أن تشق طريقها إلى الحرب" - وتفادي الدفاعات الصاروخية التي يمكن لكل من الصين وروسيا إقامتها، للدفاع عن القواعد ضد أي هجوم من الصواريخ الموجهة بدقة، وأن تكون قادرة على تشغيل أساطيل الحاملات من على مسافة أطول بكثير من العدو. بالنسبة لبعض مخططي البنتاجون، الإجابات على المدى الطويل سيتم العثور عليها في مجال الروبوتات - سواء كانت الطائرات من دون طيار، أو الغواصات التي يمكن أن تفاجئ العدو، أو الجنود الروبوتات الذين يمكن أن يقللوا من الخطر على البشر من خلال توليهم شن الهجمات. في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، قال ويرك الذي شارك مرة في كتابة ورقة بعنوان "الاستعداد للحرب في العصر الروبوتي": "بعد عشر سنوات من الآن، إذا لم يكن أول شخص يخترق حاجزا هو روبوت غاضب، فهذا سيكون عارا علينا". الهجوم الشامل تحدث كارتر الأسبوع الماضي عن "الحشود المهاجمة من المركبات الذاتية" - إشارة إلى فكرة أخرى تتحرك بقوة في تفكير الدفاع الحالي في واشنطن، وهي استخدام كميات أكبر من الطائرات أو السفن في الصراع. وتم التركيز في التكنولوجيا العسكرية الأمريكية في العقود الأخيرة على تطوير منصات أسلحة يتم نشرها بأعداد أقل لكنها تنطوي على قدرات أكبر، مثل الطائرة المقاتلة إف-35. مع ذلك، مخططو البنتاجون يختبرون أنموذجا مختلفا يسعى إلى إغراق العدو بأسراب من طائرات بدون طيار أرخص، وأكثر قابلية للاستهلاك تدعمها تكنولوجيا إنتاج منخفضة التكلفة، مثل الطباعة الثلاثية الأبعاد. "هذا يعتبر إعادة لفكرة الكميات الكبيرة"، كما يقول بريملي، من مركز الأمن الأمريكي الجديد التابع للبنتاجون. ويضيف: "ليس فقط لدينا تكنولوجيا أفضل، لكننا سنستخدم الكميات والأعداد الكبيرة لقتالك واكتساحك". الموضوع الكبير الآخر لدى ويرك هو الجمع بين الذكاء البشري والآلة، سواء كان ذلك إلكترونيات يمكن ارتداؤها، أو هياكل خارجية للجنود المشاة، أو طائرات مقاتلة مع أجنحة من أجهزة الاستشعار والبيانات والبرمجيات التي يمكن تمريرها إلى الطيار. ولدى ويرك اعتقاد متفائل بأن هذا سيعطي الولايات المتحدة ميزة على منافسيها الأكثر استبدادا، الذين من المرجح أن يركزوا أكثر على حلول مؤتمتة بالكامل لأنها لا تضع الكثير من الثقة في شعوبها. وقال: "الناس المتعمقون في التكنولوجيا الذين نشأوا في ظل نظام ديمقراطي، في عالم المعلومات، سوف ينتصرون على الناس الذين ينشأون في عالم المعلومات في نظام استبدادي". لكن رؤية الثورة التكنولوجية الجديدة تواجه مجموعة من العقبات التي يمكن أن تقوض الخطط الكبرى لكارتر. بالنسبة للبنتاجون، عملية الابتكار هي المشكلة الأولى. خلال الدورات السابقة تم تنفيذ جزء كبير من البحوث التي أجريت في الداخل، وغالبا ما تروج لها "داربا"، الوكالة التابعة للبنتاجون التي تنفق المال على مشاريع طويلة الأجل. لكن الكثير من هذه التكنولوجيا الجديدة موجود بالفعل في القطاع الخاص - سواء كانت الطائرات بدون طيار، أو أجهزة الاستشعار، أو الكاميرات، أو القدرة الحاسوبية. والتحدي الذي يواجه البنتاجون هو ابتكار التطبيقات العسكرية للتكنولوجيا المتاحة تجاريا. وإدراكا منه لضرورة التحول الثقافي الكبير في الطريقة التي يقترب بها البنتاجون من الابتكار، افتتح كارتر مكتبا له في وادي السليكون للتنسيق مع قطاع التكنولوجيا ويخطط لفتح مكتب خر في بوسطن. وهناك مبادرات أخرى جديدة داخل الإدارة. فقد تم تعيين الأدميرال روبرت جيريار، الذي كان نائبا لرئيس أسطول المحيط الهادئ، لتشغيل مكتب جديد يسمى "إن 99" - أو مديرية الأنظمة غير المأهولة - لتحفيز تطبيقات التكنولوجيا الجديدة التي يمكن استخدامها في طائرات بدون طيار في سلاح البحرية. يقول الأدميرال جيريار: "رأيت إعلانا قبل عدة ليالي لمروحية نانو يمكن أن تهبط في يدك، وهي تدعم نظام تحديد المواقع، وتقنية بلوتوث (...) هذه الأشياء موجودة هناك، وهي آخذة في التسارع". هذا يؤدي إلى نقطة ضعف ثانية - مجال التغير التكنولوجي. استراتيجيتا التعويض السابقتان أتاحتا للولايات المتحدة أن تكون متقدمة على مدى جيل كامل. لكن إذا استطاع البنتاجون استخدام تكنولوجيا جاهزة للاستخدام من القطاع الخاص، فإن روسيا والصين أيضا تستطيعان ذلك. هما أيضا تستثمران بكثافة في الطائرات بدون طيار وغيرها من جوانب الروبوتات. ونتيجة لذلك، فإن أي مزايا تتمكن الولايات المتحدة من تحقيقها قد تكون عابرة. يقول ماك ثورنبيري، النائب الجمهوري عن ولاية تكساس الذي يترأس لجنة الخدمات المسلحة في مجلس النواب: "لا أحد يجب أن يكون تحت وهم أن حفنة من الاختراقات التكنولوجية، حتى وإن تحققت، ستضمن مركزنا المهيمن لسنوات عديدة مقبلة". وهو يعتقد أن زيادة الإنفاق فقط عبر الجيش سوف تحافظ على ميزة الولايات المتحدة. تعداد التكلفة يمكن لبعض الابتكارات المرجوة أيضا أن يتبين أنها باهظة التكاليف. في الواقع، هذا هو النقاش الذي تجريه البحرية الأمريكية حول أبحاث الطائرات بدون طيار. أحد أسباب اجتذاب الطائرة بدون طيار طراز "أس- 47بي" الكثير من الاهتمام هو أن هذه تبدو وكأنها الخطوة الأولى نحو إنتاج طائرات هجومية بدون طيار من طراز الشبح، يمكنها أن تؤدي مهمات أكثر في أماكن أبعد مما تعمل عليها الطائرات المقاتلة - ما يسمح لحاملات الطائرات بالعمل خارج نطاق الصواريخ الصينية. لكن بسبب مخاوف بشأن التكاليف، اقترح مسؤولو البحرية مهمة أكثر تواضعا بكثير للمرحلة المقبلة في تطوير الطائرات بدون طيار: طائرة من شأنها أن تزود بالوقود طائرات مقاتلة يقودها الطيارون الحاليون، للسماح لهم بأداء مهمات في أماكن أبعد. وأخيرا، إذا كان كارتر يريد أن يثير موجة من الابتكار، فهو يحتاج إلى إظهار أنه يمكنه إعداد المجال ضمن ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية التي تتعرض للضغط بسبب أزمة مستحقات الوزارة الخاصة - ارتفاع الرواتب وفواتير الرعاية الصحية والمعاشات – وبسبب برامج الأسلحة القديمة. وبتكلفتها البالغة نحو 400 مليار دولار، ضعف التقديرات الأولية، تعتبر الطائرة الجديدة "إف-35" نظام الأسلحة الأغلى في التاريخ. فضلا عن زيادة ميزانية البحث، اختار كارتر بالفعل معركة واحدة في مشروعه المنشود. في مذكرة مرسلة إلى وزير البحرية، راي مابوس، تسربت في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وردت دعوة إلى خفض عدد السفن القتالية الساحلية - وهي سفن جديدة مصممة للعمل في المياه الضحلة وعلى طول السواحل – من 52 إلى 40 وحذرت من أن القوات البحرية بحاجة إلى التفكير "أكثر حول القدرات الجديدة، وليس فقط حول أعداد السفن". لكن المدافعين عن المشروع يأملون في استعادة خطط الإنفاق. الأدميرال البحري بيتر فانتا، مدير الحرب السطحية، حث أعضاء آخرين من القوات البحرية على مساعدته في "التسويق لقصة" السفن. وإذا كان لـ "استراتيجية التعويض الثالث" أن تترسخ، فهي بحاجة إلى أكثر من مجرد الابتكار والخيال والتعاون مع وادي السليكون - سيتطلب الأمر أيضا من قيادة وزارة الدفاع الأمريكية أن يكون لديها بعض النفوذ القوى في أوساط السياسة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES