FINANCIAL TIMES

مارتن شكريلي .. طفل الأدوية النابغة يسقط من المجد إلى العار

مارتن شكريلي .. طفل الأدوية النابغة يسقط من المجد إلى العار

لولا الانهيار المالي لعام 2008، ربما لن يكون مارتن شكريلي أكثر من مجرد حاشية في تاريخ وول ستريت، مجرد مدير آخر تافه وفاشل لأحد صناديق التحوّط. في عام 2006، عندما كان عمره 23 عاماً، أسس صندوق إيليا كابيتال، الذي سرعان ما عانى صعوبات. وبعد عام أمره أحد القضاة بدفع 2.3 مليون دولار إلى ليمان براذرز لتسديد ديون رهان كانت نتيجته سيئة للغاية. بعد ذلك انهار بنك ليمان؛ الأول في سلسلة من المؤسسات الأسطورية التي وقعت فريسة للأزمة المصرفية. زوال البنك الاستثماري كان من شأنه التسبّب في كارثة لكثيرين، لكنها كانت ضربة حظ بالنسبة إلى شكريلي الذي تم إعفاؤه من دفع المبلغ. بحسب تعبير كلمات أغنية لفرقة وو تانج كلان، فرقة شكريلي المُفضّلة، إلغاء العقوبة سمح له بالاستمرار "في العيش ليروي قصته (...) لكنه واصل السلوك القديم نفسه". بعد عام، كما ادعت النيابة العامة الفيدرالية، بدأ مُخطط تحايل معقد "على غرار بونزي"، من خلال تأسيسه اثنين من صناديق التحوّط، "إم إس إم بي كابيتال" و"إم إس إم بي هيلثكير". بعد أعوام من المراهنة ضد شركات الأدوية، أسس شركة الأدوية الخاصة به "ريتروفين". في البداية كانت شركة ريتروفين تُركّز على اكتشاف دواء لضمور العضلات، لكن شكريلي سرعان ما تحوّل إلى استراتيجية أكثر ربحاً: شراء الأدوية القديمة ورفع الأسعار بشكل حاد. في العام الماضي أطيح به من شركة ريتروفين، فأطلق شركة تورنج للأدوية، التي سمّاها تكريماً لألان تورنج، مُحلل الشفرات في الحرب العالمية الثانية. وأمس أعلنت شركة تورنج استقالة شكريلي من منصب الرئيس التنفيذي وقالت "إن رئيس مجلس إدارة المجموعة سيتولى أمر الشركة مؤقتاً". قصته اتّخذت مُنعطفاً عجيبا في الساعات الباكرة من صباح يوم الخميس، حين تم تكبيل يدي شكريلي، الذي كان يرتدي سترة مع طاقية بلون رمادي، من قِبل وكلاء مكتب التحقيقات الفيدرالية الذين اصطُحبوه من شقته في مانهاتن تحت المطر المُنهمر. بعد ظهر يوم الخميس أُطلق سراحه بكفالة تبلغ خمسة ملايين دولار، بعد أن ردّ بأنه غير مُذنب في تهمة تزوير أوراق مالية والاحتيال المالي باستخدام تكنولوجيا المعلومات. وهبط درجات سلم المحكمة الفيدرالية في بروكلين إلى حيث كان يحتشد جمع من المصوّرين والصحافيين. شكريلي ومحاموه لم يستجيبوا إلى طلب بالتعليق، على الرغم من أنه سبق ووصف مزاعم اختلاس الأموال من شركة ريتروفين بأنها "لا أساس لها من الصحة". لو أن شكريلي بقي مديراً لصندوق التحوّط وصاحب مشاريع غامض في مجال الأدوية، ربما لن يُلاحظ أحد اعتقاله. لكن قراره هذا العام شراء دواء، من خلال شركة تورنج، يُمكنه إطالة عمر مرضى الإيدز، ورفع سعره من 13.50 دولار إلى 750 دولارا للحبة، جعله منبوذاً، ومكروها في أنحاء العالم كافة. في أيلول (سبتمبر)، القرار بزيادة سعر دارابريم لفت انتباه المرشحة الديمقراطية للرئاسة، هيلاري كلينتون، التي وصفت الأمر بأنه "تلاعب في الأسعار" وتعهّدت باتخاذ إجراءات صارمة ضد الممارسة "الفاحشة" في حال تم انتخابها. مُداخلتها تلك أدخلت أسهم شركات صناعة الأدوية في حالة من الفوضى. بدا شكريلي مُستمتعاً بعاصفة وسائل الإعلام التي تلت ذلك، وانطلق في جولة في استديوهات الشبكات التلفزيونية للدفاع عن نفسه، والقتال باستمرار مع مُنتقديه على "تويتر"، وشحذ صورته باعتباره الشخص الذي تمرد على المؤسسة الطبية. عندما كانت النساء ينتقدنه على "تويتر"، كان يرد بطريقة خارجة عن اللياقة. وأعرب أيضاً عن تأييده لمنافس هيلاري للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي، بيرني ساندرز، وقدّم تبرعا بـ 2700 دولار - وهو تبرع تم رفضه - ما دفعه إلى نشر تغريده على موقع "تويتر"، "أنا غاضب جداً من بيرني ساندرز بحيث يُمكن أن ألكم جداراً". في تلك الأثناء، كان مكتب التحقيقات الفيدرالية وهيئات تنظيم الأوراق المالية يضيّقان الخناق. القضايا التي بهذا التعقيد غالباً ما يستغرق إعدادها أعواماً، وذلك وفقاً لمحامين، لكن السلطات عجلت وتيرة قضيتها ضد شكريلي عندما وصل موضوع ارتفاع سعر دارابريم إلى العناوين الرئيسية، وبالتالي اعتقاله بعد ثلاثة أشهر فقط. إجمالا، تزعم النيابة العامة أن شكريلي احتال على المستثمرين بما يصل إلى 11 مليون دولار، من خلال نهب الأموال من شركة ريتروفين للسداد للمستثمرين في اثنين من صناديق التحوّط بعد أن بدّد كل أموالهم على الصفقات السيئة، حسبما يقول قرار الاتهام الفيدرالي والنيابة العامة. قال روبرت كابرز، المُدّعي العام الأمريكي للمنطقة الشرقية من نيويورك "شارك شكريلي في عدة مُخططات للإيقاع بالمستثمرين من خلال شبكة من الأكاذيب والخداع. ومؤامراته لم يُقابلها سوى الجهود لإخفاء الاحتيال، ما دفعه إلى تشغيل شركاته على غرار مُخطط بونزي". مشاريع شكريلي ضمنت التأييد من بعض من أكبر الأسماء في صناعة الأدوية، بمن فيهم برينت سوندرز، الذي يتولّى الآن منصب الرئيس التنفيذي لشركة أليرجان، وفْريد حسن، الرئيس التنفيذي السابق لشركة شيرينج بلاو. كذلك أصبح شكريلي تجسيداً لكل ما يقول النقّاد إنه فاسد في قطاع الأدوية، بعدما هيمن على العناوين الرئيسية هذا العام بسبب عديد من الزيادات الفاحشة في الأسعار. لكن القضية الجنائية ضدّه تُركّز على أعوامه التي قضاها مدير أموال. النيابة العامة تصوّر شكريلي على أنه تاجر استمر بخسارة أموال عملائه، وقضى خمسة أعوام في بناء "رهانات من الأكاذيب والخداع والجشع" لتغطية ذلك. قال دييجو رودريجيز، المدير المُساعد المسؤول عن القضية في مكتب التحقيقات الفيدرالي "شكريلي استهدف المستثمرين واحتفظ بتعاملاتهم من خلال ممارسة عدة تحريفات وإغفال الحقائق الرئيسية للصناديق التي أدارها". عند جمع رأس المال لـ "إم إس إم بي كابيتال" المُتعثّر في نهاية عام 2010، أخبر شكريلي أحد العملاء أن صندوق التحوّط كان يملك أصولاً بقيمة 35 مليون دولار - بدلاً من المبلغ الحقيقي البالغ 700 دولار فقط - للمساعدة على تأمين استثمار بقيمة مليون دولار، وذلك وفقاً للائحة الاتهام ضده. وفي شباط (فبراير) 2011، بعد عامين تقريباً من تأسيس "إم إس إم بي كابيتال"، تقول لائحة الاتهام "إن شكريلي خسر مرة أخرى تقريباً كل أموال المستثمرين في الصندوق من خلال صفقة كارثية كانت على شكل رهان ضخم ضد إحدى مجموعات التكنولوجيا الحيوية التي تعمل على حبوب السِمنة". شكريلي لم يقترض الأسهم لتغطية رهانه - ما يُسمّى السحب على المكشوف - ما يعني أن الوسيط المالي الذي تعامل معه، ميريل لينش، تُرك ليتحمّل خسائر تبلغ سبعة ملايين دولار على الصفقة. وزعمت النيابة العامة أن شكريلي بعد ذلك جمع أموالا من المستثمرين ليعيدها إليهم، على اعتبار أن صندوق التحوّط كان يُحقق عوائد رائعة. في نهاية المطاف أغلق شكريلي صندوق إم إس إم بي كابيتال وأسّس صندوق تحوّط آخر، هذه المرة باسم إم إس إم بي هيلثكير. واستمرت الخسائر في صندوقي التحوّط في التراكم، في حين إن الضجة بين المستثمرين لاسترجاع نقودهم أصبحت أكثر حدّة، وفقاً للائحة الاتهام. الحل الذي توصّل إليه، كما تدعي النيابة العامة، كان تحويل شركة ريتروفين، شركة صناعة الأدوية التي أسسها، إلى "بنك شخصي كبير"، حيث نهب ما يُقارب ثلاثة ملايين دولار في شكل نقود وأسهم ووجهها إلى صناديق التحوّط التابعة له. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، بدأت لجنة الأوراق المالية والبورصات تطرح أسئلة عن الطريقة التي كان شكريلي يُمارس بها الأعمال. تقول لائحة الاتهام "إنه حاول خداع المُنظّمين من خلال تزوير الوثائق، وجعلها تبدو كأن صناديق التحوّط التابعة له حصلت على حصة كبيرة في شركة ريتروفين لتُمثّل جميع النقود والأسهم التي حصلت عليها. لكن صندوق إم إس إم بي كابيتال لم يستثمر أبداً في شركة ريتروفين". وتدعي النيابة العامة أن أحد محامي شكريلي، إيفان جريبيل، وهو شريك مُتخصص في قانون الشركات في "كاتن موشين روزنمان" في ذلك الوقت، ساعد على عملية تغطية تدل على جهل مُضحك. في إحدى الوثائق التي يُزعم أنها مزوّرة، تم إخفاء التاريخ الصحيح بطلاء تبكس، ما دفع محاسبا خارجيا إلى إرسال بريد إلكتروني يقول فيه WTF - اختصار لكلمة بذيئة. ولم يستجب جريبل أو محاميه إلى طلب الحصول على تعليق. تقول لائحة الاتهام "إن انتباه المحاسبين الخارجيين دفع شكريلي وجريبيل لتغيير المسار". بدلاً من توجيه نقود وأسهم شركة ريتروفين مباشرة إلى صناديق التحوّط، تزعم النيابة العامة أن الرجلين قاما بإعداد "اتفاقيات استشارة صورية" لتعويض عملاء صندوق إم إس إم بي مقابل استثماراتهم الأولية. وتذكر لائحة الاتهام أن الأمر انتهى بدفع شركة ريتروفين ما يُقارب سبعة ملايين دولار إلى أربعة من المستثمرين في صندوق إم إس إم بي مقابل خدمات استشارية وهمية. تم الدفع لأحد المستثمرين لتقديم المشورة للشركة حول "تطوير أدوية الصداع". يُزعم أن جريبيل كتب في رسالة بريد إلكتروني إلى شكريلي في نيسان (أبريل) 2013 "أعتقد أنك ينبغي أن تحصل على موافقة شاملة من مجلس الإدارة حتى تتمكّن من الاحتفاظ بالمستشارين الذين قد يُدفع لهم نقداً أو من خلال الأسهم". إذا كان شكريلي يشعر بالقلق بشأن التحقيق في الأسابيع الأخيرة، فإنه لم يُظهر أي علامة تُذكر على ذلك خلال ظهوره العلني الغريب على نحو متزايد. وردّا على سؤال في مؤتمر للرعاية الصحية هذا الشهر عما إذا كان يشعر بالندم، أجاب "إنه يتمنّى لو أنه نفّذ زيادة أكثر حدّة في سعر دارابريم". وتحدّث أيضاً إلى مجلة "بلومبيرج بيزنس ويك" من أجل مقالة عن قراره شراء الأسطوانة الأغلى في التاريخ - ألبوم فرقة وو تانج كلان الشخصي الذي صدر لمرة واحدة، الذي دفع مقابله مليوني دولار. شكريلي أخبر المجلة أنه اشترى الأسطوانة لأنه أحب أغنية C.R.E.A.M - وهي اختصار لـ Cach Rules Everything Around Me وتعني "النقود تحكُم كل شيء حولي". في قصة هيمنت عليها التغريدات على موقع تويتر، كان مناسباً أن مكتب التحقيقات الفيدرالي استخدم حسابه على موقع تويتر للرد على أحد الأسئلة اللاذعة التي تُحيط باعتقال شكريلي. كتب المكتب في تغريدة "لم (تكُن هناك) أي مذكرة اعتقال لإلقاء القبض على شكريلي اليوم. وهذا يعني أننا لم نُصادر ألبوم فرقة وو تانج كلان".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES