Author

المناخ ..من ريو إلى باريس

|
كاتب اقتصادي [email protected]
«في مسألة الاحتباس الحراري .. غالبا لا نعتقد، أن هناك مشكلة! بل مشكلة سوف تحدث!» كوفي عنان أمين عام الأمم المتحدة السابق في «قمة الأرض» الأولى حول المناخ التي عقدت في ريو دي جانيرو البرازيلية عام 1992، والتي شاركت فيها كصحافي إلى جانب مئات الصحافيين الذين أتوا إليها. هذه القمة، انتهت بعد أسبوعين باتفاقات يمكن وضعها في سياق "رفع العتب". أي أنها ليست فاعلة ولا ملزمة ولا ذات قيمة عملية سريعة وفعالة. وإذا أضفنا لهذه النتائج الرفض الأمريكي آنذاك لكل شيء يساهم في حماية ما تبقى من البيئة والمناخ، فإن أهم نتائج "قمة الأرض" هذه، كان انعقادها. أي أن مجرد وجود هذا العدد من الوفود ورؤساء وقادة العالم في مكان واحد، هو نجاح بل انتصار، بصرف النظر عن الفشل أو المنغصات المصاحبة لها. كانت قمة أولى لحماية البيئة. وهذه الأخيرة كانت أفضل حالا مما هي عليه الآن. وبعد قمة الأرض الأولى، انعقدت قمتان مشابهتان كل عشر سنوات، مع ضرورة الإشارة إلى أنهما حققتا إنجازات متصاعدة، لكنها دون المستوى المطلوب. بل إن جهات مختصة اعتبرتهما فاشلتين كما هي القمة الأولى. وبين هذه القمم عقدت مؤتمرات ومنتديات وتجمعات بالعشرات، كلها تهدف إلى الحفاظ على البيئة، ومواجهة استحقاقات التغيير المناخي الناجم عن الاحتباس الحراري. بعضها توصل إلى نتائج جيدة وتنفيذ سيئ، وبعضها الآخر كان سيئا في النتائج والتنفيذ في آن معا. صحيح أن أحدا، لا يتوقع حلولا حاسمة لكارثة مستفحلة في مؤتمر أو منتدى أو أي تجمع مختص، لكن الصحيح أيضا، أن أصحاب القرار على المستوى العالمي، ظلوا بعيدين ليس عن الحقيقة بل عن معالجة الخلل أو المصيبة. بل أراد بعضهم تكريس تضليل، بأن الاحتباس الحراري ليس بهذه الدرجة من السوء! وعلى الطريقة العربية، التي تطلق صفة التاريخي على أي شيء مهما كان هزيلا، فإن الذي كانوا يقفون وراء التجمعات الرسمية والأهلية الخاصة بحماية البيئة ومعالجة أشكال الاحتباس الحراري، كانوا يطلقون على "اتفاقاتهم"، وبياناتهم الختامية البائسة الصفة "التاريخية"! وكانت المحصلة تبقى كما هي، بل أسوأ مما كانت، لأن الأذى البيئي لا يتوقف، ولا يتراجع بل يزداد مساحة وخطورة في أرجاء العالم دون استثناء. وبصرف النظر عن المتورطين أقل والمتورطين أكثر، فإن الأضرار تصيب الجميع، فلا أحد محصن من خراب البيئة على كوكب الأرض. والناجي اليوم هو بالتأكيد الضحية المقبلة غدا. إنها مسألة بات تلاميذ المدارس الابتدائية يعرفونها حتى أكثر من معرفة آبائهم وأمهاتهم لها. تحسنت بعض الأوضاع هنا، وتفاقمت هناك. وحققت بعض التجمعات قفزات إيجابية لافتة، ونالت أخرى الفشل طول السنوات الماضية. لكن قمة المناخ 2015 التي انتهت في باريس، ستكون شيئا آخر بالفعل. ليس تماشيا مع ما يقوله السياسيون والمشرفون عليها، بل للحقائق والنتائج التي أتت منها. ليس مهما حضور 150 رئيس دولة فيها، وليست مهمة حتى التحذيرات الحقيقية المخيفة التي سادت أيام القمة الباريسية. حضور الرؤساء وقادة الدول قد يكون له مآرب أخرى، والتحذيرات باتت معروفة حتى لغير المتخصصين. المهم في قمة المناخ 2015 أن الاتفاقات التي توصل إليها ممثلو 195 دولة، هي اتفاقات ملزمة. نعم ملزمة، أي أنها ليست اختيارية أو متروكة لحسن نيات المتفقين، أو كرم أخلاقهم. فالذي لن ينفذ سيعاقب. والحق، لو اعتمدت هذه الصيغة في المؤتمرات المشابهة، لكانت البيئة والمناخ في أفضل حال الآن، لكن يبدو واضحا أن الأمر لم يعد يحتمل التعاطي مع التغير المناخي كـ "سياح" في القضية، بل كـ "مقيمين" فيها. إنها بالفعل اتفاقات تاريخية، من هذه الناحية، وكذلك من ناحية الأموال المرصودة لمواصلة المعركة ضد الاحتباس الحراري بالصيغة التي تكفل تحقيق نتائج سريعة الوصول ومضمونة. والالتزام بالاتفاقات هنا ليس سياسيا، يمكن أن يترك لهذه الحكومة أو تلك، بل قانونيا. من لا يلتزم سيعاقب بالوسائل القانونية التي وضعت خصيصا لمثل هذه الحالات. الاتفاق العام لقمة المناخ 2015 جاء عادلا ومتوازنا بالفعل. لا توجد جهة يمكن أن تدعي المظلومية، بل لم يعد هناك مجال أساسا لطرح مثل هذا الأمر. المخاطر البيئية لم تترك مجالا للتظلم بل للعمل السريع والمعطاء من أجل الأوطان والعالم. من منا لا يعرف أن 90 في المائة من الكوارث التي تحدث في العالم هي في الواقع متصلة بالطقس المرتبط بالتغير المناخي؟ ومن منا لا يعلم أن مئات الملايين من البشر مهددون بالشح الغذائي، ونسبة منهم بالجوع بسبب هذا التغير؟ الكل يعرف الحقائق، ولكل الآن بات يتعاطى مع هذه الحقائق كحالات آنية لا مستقبلية. الاحتباس الحراري، يتسبب في تفاقم الظواهر الطبيعية، من حر وجفاف وفيضانات، ويهدد الإنتاج الزراعي والاحتياطي المائي في عدد كبير من مناطق العالم. والـ 100 مليار دولار التي اتُفق على رصدها سنويا لمواجهة هذه الكارثة المتصاعدة، يمكن أن توفر تريليونات مستقبلا. لأن تكاليف علاج الآثار الناجمة عن الكارثة، أعلى وأطول زمنا من ضرب الكارثة نفسها والقضاء عليها.
إنشرها