Author

«أوبك» الجديدة

|
مستشار اقتصادي
أتى قرار "الأوبك" في اجتماعها الأخير في الرابع من ديسمبر 2015 مهما شكليا، لكنه لم يغير شيئا جوهريا. المهم أن سياسة "الأوبك" في الإنتاج لم تتغير، لكن الاجتماع أتى ليلبي بعض مطالب قلة من الأعضاء، بعدما تآكل دور الحصص في توزيع الإنتاج. "أوبك" تنتج نحو 30 في المائة من النفط في العالم، لكن حصتها من النفط المتداول تجاريا تبلغ نحو 45 في المائة، ولذلك لا تزال "أوبك" مهمة، لكن حصتها تتضاءل تدريجيا، ما يزيد الاحتكاك بين "الأوبك" والمنتجين خارجها من جهة وبين أعضائها من جهة أخرى. هيكليا هناك ثلاثة أنواع من دول "الأوبك"، هناك المملكة، وهناك "العراق وإيران والكويت والإمارات"، وهناك البقية. إضافة إلى هذه الاختلافات فإن تقاسم حصة التصدير بغرض رفع السعر نموذج يشجع على الغش، وقد سبق أن جربته "أوبك" دون درجة مقبولة من الاستدامة. فروسيا ترفض أي تخفيض، والنفط الصخري في أمريكا توقف عن النمو المضطرد، لكنه لم ينقص، عدا أنه يتميز بمرونة عرض عالية نسبيا. سوق اليوم تصنف بأنها سوق المشترين، ما يجعل ميدان المنافسة بين المصدرين ينتقل إلى الدول المستوردة النامية الرئيسة خاصة الصين. هذه العوامل مجتمعة ترسم معالم خريطة جديدة للنفط، خاصة دول "الأوبك" جماعيا أو فرديا. أحد ضحايا الحقبة الجديدة التقسيم التقليدي لدول "الأوبك" بين المحافظين و"الصقور"، حيث إن هناك عدة تغيرات هيكلية ستقلص الاختلافات بين الدول تدريجيا، لكنها لن تقلص الخلافات بين الدول، خاصة أن بعض هذه الخلافات ليست اقتصادية في الجوهر. فنيا كلما أصبحت السوق متوازنة أو أقرب إلى أن البائع متلقٍ للسعر قلّت الخلافات الاقتصادية بين الدول المصدرة. هناك تغيرات اقتصادية معتبرة في السوق النفطية تجعل مستقبل السوق أكثر غموضا وأكثر حساسية لدور المملكة، لحسن حظ المملكة أن لديها كفاءة عالية في هذا الشأن ممثلة في الوزير ونائبه. أول هذه المتغيرات المستمرة أن سعر النفط الحقيقي "السعر الاسمي ناقص التضخم" تحت ضغط، فحتى لو تضاعف السعر فإنه أقل من منحنى السعر الحقيقي المفترض قياسا على سعره الذي بلغ 41 في عام 1981. السبب يعود إلى دور التقنية المحوري في الضغط على منحنى التكلفة. ثانيا، وقد أتى ضمنا من زيادة الحصص أن الأغلبية خاصة القوى الفاعلة في "الأوبك" قبلت بسياسة عدم التحكم في السوق وقبول السعر وليس تحديد السعر "ولذلك جاء الاتفاق هذه المرة عن الحصص فقط"، أتى ذلك بسبب محدودية نفوذ الأوبك "أي تقليص لإنتاج "الأوبك" ستأخذه دول غيرها"، ثالثا، على الرغم من سقوط نظرية الذروة في الإنتاج إلا أن العامل الجيولوجي لن يختفي، فعلى الرغم من وجود الشركات الأجنبية منذ ست سنوات إلا أن إنتاج العراق بدأ تباطؤا في النمو، كما أن مطالب إيران بالرجوع إلى حصتها السابقة لا تؤخذ جديا في الدوائر النفطية لأسباب فوق وتحت الأرض، وحتى دول الخليج لن تستطيع أن تأتي بزيادة معتبرة دون ضرر على الحقول في المدى المتوسط. رابعا، هناك نمو مقبول في الطلب العالمي إذ يصل إلى أكثر من 94 مليون برميل "على الرغم من أن النمو الاقتصادي العالمي ليس مشجعا"، لكن العرض أكثر، يقابل ذلك تناقص في الاستثمارات الرأسمالية في القطاع وبالتالي فإن الرهان أن تتغير المعادلة "البعض يراهن على النصف الأخير من 2016 والبعض يذهب إلى 2017". يقول مارك توين "إن التاريخ لا يعيد نفسه، لكنه يتناغم"، ولذلك نحن أمام بيئة تشابه الثمانينيات، ولذلك قد تكون الدورة السلعية طويلة وعنيفة، فمثلا بدأ السعر ينخفض في 1981 واستمر إلى نهاية العقد، حيث وصل إلى أقل من تسعة دولارات في 1986، ليبدأ صعودا تدريجيا وبطيئا. ليس لدي توقع عن السعر، لكن الأقرب أن يستمر الضغط، لكن الطبيعة الدورية للسلع مثل النفط لن تختفي أيضاً، لكن علينا الوعي، لأن هناك متغيرات هيكلية ليس أقلها أن السعر الحقيقي لم يحافظ على منحناه التاريخي. البدائل للنفط مهمة لكنها بطيئة وبالتالي تسمح للدول بإعادة المراجعة الاقتصادية ولكن ليس إلى الأبد. كذلك ترشدنا التجارب في العقود الماضية إلى أنه كلما زاد الاعتماد على النفط قلت فرص النجاح الاقتصادي. وأخيرا لا بد من التنويه إلى أن "الأوبك" كمنظمة تستطيع التأثير القوي في السعر ولمدة معتبرة، قد انتهى، "طبعا لو اختارت تخفيض الإنتاج فسيتجاوب السعر، لكن عوائدها لن ترتفع بما يتناسب مع تخفيض الإنتاج"، لكن المحافظة على الدور الشكلي والمعلوماتي كما رأينا في الاجتماع الأخير قد تستمر لسنوات. حجم المملكة النفطي يجعلها في موقف مميز، وقد أثبتت قدرة على الثبات والوعي في إدارة السياسة النفطية، لكن النفط في الأخير وسيلة تمويل مفصلية "على الرغم من أهمية صناعة النفط في حد ذاتها"، ولا يجب أن يكون بديلا لسياسة اقتصادية حصيفة، خاصة أن سعره الحقيقي لم يواكب تكلفة إدارة الدولة.
إنشرها