أخبار اقتصادية

الغاز يسعى إلى انتزاع مقعد بين أقوى مصادر الطاقة في العالم

الغاز يسعى إلى انتزاع مقعد بين أقوى مصادر الطاقة في العالم

الغاز يسعى إلى انتزاع مقعد بين أقوى مصادر الطاقة في العالم

يؤكد مختصون عالميون أن الغاز الطبيعي يسعى إلى انتزاع مقعد بين أقوى مصادر الطاقة في العالم مع نمو الطلب العالمي رغم الانخفاض الحالي للأسعار. ويتفوق الشرق الأوسط حاليا على غيره من مناطق العالم فيما يتعلق بالمدة العمرية للاحتياطات المتوافرة لديه من الغاز، إذ تتجاوز الـ 120 عاما تليه إفريقيا التي تقارب الـ 80 عاما. وبينما نما الاحتياطي العالمي المؤكد من الغاز الطبيعي بـ 0.3 في المائة حتى نهاية عام 2013، فإن ثلاثة أقطار هي روسيا وأذربيجان والولايات المتحدة تعد المسؤولة عن زيادة معدلات الاحتياطي العالمي من الغاز في عام 2014. وفيما تحتل إيران وروسيا مقدمة البلدان التي تتمتع باحتياطات من الغاز الطبيعي، فإن الولايات المتحدة وروسيا تحتلان قائمة البلدان المنتجة للغاز بينما تحتل إيران وقطر المرتبتين الثالثة والخامسة على التوالي. #2# وبات من نافلة القول إن صناعة الغاز الطبيعي تلعب الآن دورا رئيسيا في الناتج المحلي الإجمالي لكثير من البلدان، وتسهم بشكل رئيسي في عملية التوظيف، وتوليد مليارات من الدولارات سواء من التصدير أو من عائدات الضرائب والدخل المرتبطة بها. لكن أهمية تلك الصناعة لا تقف عند هذا الحد، إذ تعتبر المساهم الأساسي في إنعاش عديد من القطاعات الصناعية الكثيفة الاستخدام للطاقة، فعلى سبيل المثال قفزت مساهمة صناعة الغاز الطبيعي في الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة في الولايات المتحدة من 76 مليار دولار في عام 2010 الى 118 في العام الماضي، وسط توقعات بأن تبلغ 231 مليارا بحلول عام 2035. وترافق الاستهلاك المتزايد للغاز الطبيعي على مستوى العالم مع زيادة ملحوظة في معدلات الإنتاج، وخلال العقد الماضي بلغ المتوسط العام للزيادة الإنتاجية 2.5 في المائة وهو ما يقدر بأربعة أضعاف النمو في الاستهلاك العالمي، وقدر متوسط الزيادة السنوية للاستهلاك خلال العشرية الماضية 0.4 في المائة. وتشير بيانات شركة بريتش بتروليوم أحد أكبر منتجي الغاز والنفط في بريطانيا، إلى أن نمو الإنتاج العالمي انخفض عن المتوسط العام في كل مناطق إنتاج الغاز في العالم العام الماضي باستثناء أمريكا الشمالية، وسجل معدل النمو الإنتاجي فيها 6.1 في المائة أما الاتحاد الأوروبي فقد انخفض الإنتاج بنحو 9.8 في المائة وهو الأسوأ من نوعه منذ عام 1971. ويرصد المهندس ليو ميلر من وحدة الأبحاث والتنقيب في شركة بريتش بتروليم لـ "الاقتصادية"، عاملين أساسيين يلعبان الدور الرئيسي وراء توقعاته بازدهار صناعة الغاز الطبيعي على الأجل الطويل، ويقول "إن هناك تزايدا في الوعي العام سواء الشعبي أو السياسي جراء مخاطر تلوث البيئة"، مشيراً إلى أن استهلاك الغاز الطبيعي يجد دعما من قبل عديد من الحكومات والمنظمات المعنية بحماية البيئة، ويضاف إلى ذلك أن الاحتياطي المؤكد من الغاز حاليا يبلغ 187.49 ترليون متر مكعب، ووفقا لمعدلات الاستهلاك الراهنة فإنه يكفي لقرابة 60 عاما، وهنا نتحدث عن الغاز التقليدي، فإذا أضفنا الاحتياطات من الغاز الصخري وكذلك ما يعرف باسم "ميثان طبقة الفحم الحجري"، فإن المتوافر من الغاز الطبيعي للاستهلاك سيتجاوز 125 عاما. وحول التحديات التي تواجه أسعار الغاز الطبيعي في الوقت الراهن، أوضح لـ "الاقتصادية"، الدكتور كولن كونور أستاذ اقتصادات الطاقة في جامعة مانشستر والاستشاري في شركة "شل" البترولية، أن أسعار الغاز في الولايات المتحدة ارتفعت 17.3 في المائة في العام الماضي جراء الطلب الكبير من القطاع الصناعي ونتيجة الظروف المناخية، بينما انخفضت في أوروبا وحافظت على مستواها السعري في آسيا، وقد سجلت أسعار الغاز في الولايات المتحدة أدنى مستوى لها في ثلاثة أعوام حيث تراجعت في الشهر الماضي بنحو 10 في المائة. وأضاف كونور أن "أسعار الغاز بصفة عامة تشهد تأرجحات سعرية ذات طابع فصلي، فالطلب يزيد في فصل الشتاء خاصة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، لكن إنتاج الغاز عالميا بلغ مستويات مرتفعة خلال العامين الماضيين، ما دفع الأسعار إلى مستويات منخفضة". وأشار كونور إلى أنه نتيجة للتنبؤات المناخية فقد شهد النصف الشمالي من الكرة الأرضية شتاء دافئا نسبيا "بعض العلماء يعتبرون 2015 أكثر الأعوام دفئا في التاريخ الحديث"، وهذا ما أدى إلى انخفاض الأسعار في الشهر الماضي إلى 2.10 دولار بعد أن تجاوزت سابقا ثلاثة دولارات. وتؤيد الدكتورة تينا جونسون المختصة في شؤون الطاقة وجهة النظر هذه لكنها تضيف إليها تراجع معدلات النمو في الاقتصاد العالمي خاصة في الصين التي لعبت دورا ملحوظا في تراجع أسعار الغاز الطبيعي، حيث سعت الحكومة الصينية إلى زيادة الاستهلاك المحلي سواء في القطاع الصناعي أو الاستهلاك المنزلي بخفض الأسعار بنحو 0.11 دولار للمتر المكعب، أي خفض الأسعار بنحو 28 في المائة. ورغم هذا يعتقد المختصون أن هناك مجموعة من العوامل المتشابكة التي ستسهم في زيادة الطلب على الغاز مستقبلا، فتراجع الأسعار ووفرة الاحتياطات وتفضيل عديد من المنظمات الدولية في مجال حماية البيئة استخدام الغاز الطبيعي يصب في مصلحة زيادة الطلب. ومن المتوقع أن ينمو الطلب على الغاز بمقدار ضعفي الطلب على النفط في المستقبل، ولا شك أن هذه التوقعات الإيجابية ستسهم في نظر البعض في تعزيز الاستثمارات في هذا القطاع. وحول الخريطة المستقبلية لاستثمارات الغاز في العالم، يقول لـ "الاقتصادية"، روبرت كوبرن الاستشاري في شركة بريتش بتروليم، "إن أوروبا ستكون إحدى المناطق التي يتوقع أن تشهد استثمارات مكثفة بحثا عن الغاز الطبيعي وتحديدا غرب القارة العجوز، فالأزمة الأوكرانية والصراع مع روسيا كشفا بشكل واضح ارتهان عديد من دول أوروبا الغربية للغاز الروسي، ومن ثم فإن عليها ضخ استثمارات في هذا المجال، ويضاف إلى ذلك بحثها عن مصادر أخرى غير روسيا، وهذا يعني تغير خريطة الاستثمار الدولية حيث ستسعى أوروبا إلى الاستثمار الكثيف في بعض بلدان جنوب البحر المتوسط مثل مصر والجزائر". وأشار كوبرن إلى أن آسيا تستورد حاليا 30 في المائة من احتياجات الغاز الطبيعي من الخارج، ويتوقع أن يتضاعف ذلك بحلول عام 2040، وهو ما يدفع رؤوس الأموال الآسيوية إلى مزيد من الاستثمارات في منطقة وسط آسيا إضافة إلى بلدان الخليج وبالطبع إيران بعد رفع العقوبات الدولية عنها. وتشير دراسة حديثة لهيئة الطاقة الامريكية إلى أن الطلب على الغاز الطبيعي قد يشهد طفرة مستقبلية، إذا نجحت الخطة الأمريكية في إحلال الغاز محل الفحم كمصدر أولي لتوليد الطاقة في الولايات المتحدة، حيث مثل الفحم 44 في المائة من الوقود المستخدم لتوليد الطاقة في المحطات المحلية في الولايات المتحدة عام 2010 لكنه تراجع منذ ذلك الحين ليبلغ 30 في المائة، وارتفع نصيب الغاز الطبيعي من 22 إلى 31 في المائة. وتستبعد هيئة الطاقة الأمريكية أن يفقد الفحم دورة بشكل نهائي في توليد الكهرباء قريبا، ولهذا فإن حصة الغاز الطبيعي في هذا المجال آخذة في التصاعد وبصورة أكبر من المتوقع، وتضيف الدراسة أنه عندما تتكافأ أسعار الغاز مع الفحم، وتتوافر الأدوات والتكنولوجيا القادرة على إحلال الغاز محل الفحم، سيرتفع الطلب على الغاز الطبيعي. ومن المرجح – عندما تتوافر التكنولوجيا – أن يتم الاستغناء عن الفحم تماما، خاصة أن صناع السياسة المحلية والدولية يتخذون مواقف أكثر عدوانية ضد انبعاثات الكربون، والفحم هو المتهم الرئيسي، وستصبح مصادر الطاقة المتجددة بديلا مثاليا للتصدي لانبعاثات الكربون، لكن التكنولوجيا ليست كافية حتى الآن، ومن ثم فإن الغاز هو المرشح الأوفر حظا لملء الفراغ. لكن كين لوجان المختص الاقتصادي في مجال النفط والغاز، يلقي الضوء لـ "الاقتصادية"، على تحد آخر يواجه صناعة الغاز الطبيعي، قائلا "إن زيادة الاستثمارات في مجال خطوط الإمداد عبر الأنابيب وفي البنية الأساسية سيمكن تلك الصناعة من الخروج من عنق الزجاجة الراهن، فالنقل الآمن للغاز يعد تحديا كبيرا، ويجب دائما التعامل معه بدرجة أعلى من الأمان مقارنة بالفحم والنفط، فالشركات بحاجة دائمة إلى أن تكون محطات التخزين مرتبطة بالأنابيب". وأشار لوجان إلى أن القلق الراهن من استمرار انخفاض الأسعار قد يؤدي إلى فقدان المستثمرين الرغبة في ضخ مزيد من الاستثمارات لتطوير صناعة الغاز الطبيعي سواء عبر الاستثمار لتحقيق مزيد من الاكتشافات وزيادة الاحتياطات أو استثمارات لتطوير البنية الأساسية للنقل والتوزيع، وفي كلتا الحالتين فإن الخسارة ستطول المنتجين والمستهلكين معا.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية