العالم

بعد إنكار طويل .. الغرب يعترف: «داعش» خطر وجودي

بعد إنكار طويل .. الغرب يعترف: «داعش» خطر وجودي

بعد إنكار طويل .. الغرب يعترف: «داعش» خطر وجودي

يميل الأوروبيون - وهذا ليس بخفي - للتعالي على الأمريكيين، الفرنسيون خاصة. لكن الاتجاه متأصـــل حتــى في "العلاقـــة الخاصة" مع المملكة المتحدة. ووفقا لمقال "جون لويد" أحد مؤسسي معهد رويترز لدراسة الصحافة في جامعة أوكسفورد. فإنه وخلال لقاءات أجراها مع أفراد في أجهزة استخباراتية - معظمهم متقاعد - من أجل مشروع لمعهد رويترز كان يسمع غالبا أن كبار الضباط البريطانيين لديهم اعتقاد بأن عبارة "الحرب على الإرهاب" عبارة غبية وأنهم لم يستخدموها قط. كانوا يرون أنها ليست حربا. الصراع ليس "وجوديا" بل تحد خطير من متشددين خطرين: صعب وشديد لكن له نهاية. حرب ثالثة الأمر اختلف الآن. يكتب لويد، إذ إن فرانسوا أولوند رئيس فرنسا الاشتراكي قال إن المذبحة التي شهدتها باريس مساء الجمعة الماضي "عمل من أعمال الحرب"، والبابا فرنسيس قال في قداس لإحياء ذكرى 100 ألف جندي إيطالي قتلوا في الحرب العالمية الأولى (وكان جده واحدا من الجنود الذين نجوا منها) إن "بالإمكان التحدث عن حرب ثالثة.. واجهنا على مر الزمن جرائم ومذابح ودمارا". لم يعد الأوروبيون متعالين: فباريس في يوم الجمعة 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 وحدت أوروبا في سكرة غضب - غضب عارم حتى أن الرئيس الأمريكي هو من يشعر الآن بأن عليه أن يذكرنا بواجب استقبال لاجئين من سورية. هناك تحول آخر. جوزيف بايدن نائب الرئيس قال في لوس أنجليس يوم الإثنين "أقول للشعب الأمريكي: لا خطر وجوديا على الولايات المتحدة. داعش لا يمكنه فعل شيء يسقط الحكومة ويهدد نمط حياتنا". لكن الرجل الذي قاد القوات المسلحة البريطانية من عام 2010 إلى عام 2013 يرى أن هذا ليس سوى شعور بالرضا غير المحمود. فقد قال الجنرال ديفيد ريتشاردز في مهرجان في حزيران (يونيو) هذا العام إن الخطر وجودي "ونحن بحاجة إلى التعامل مع قضية التطرف هذه على النحو نفسه الذي كنا سنتعامل به مع الحرب العالمية الثانية لو رجع بنا الزمن للثلاثينيات." وفي كتاب نشر في الآونة الأخيرة قال إنه أبلغ رئيس الوزراء البريطاني بأنه تنقصه الشجاعة اللازمة للمبادرة بقتال داعش لأنه تتملكه رغبة مسيطرة في أن يظهر ليبراليا. مركز العاصفة هناك ثلاثة أسباب رئيسة تجعل ريتشاردز محقا وبايدن مخطئا. أولها كابوس ظل يطارد الساسة وأجهزة المخابرات على مدى نحو ثلاثة عقود ويتمثل في أن دولا مارقة و/أو جماعات إرهابية ستحصل على أسلحة دمار شامل. ورد هذا في "في مركز العاصفة".. مذكرات جورج تينيت مدير وكالة السي.آي.إيه من 1996 إلى 2004. قض هذا الكابوس مضاجع رؤساء متعاقبين من كلينتون إلى بوش إلى أوباما ودفعهم لتدخلات في الخارج "وخلال رئاسة أوباما" للاستخدام المكثف للطائرات القاتلة بلا طيار. كما أنه جعل وكالة الأمن القومي "إن.إس.إيه" الآن صاحبة أكبر ميزانية في أي جهاز مخابرات في أي مكان بلا منافس. وهكذا أمكن رصد أول "ثرثرة" تكشف أن الكابوس تحول إلى دم ولحم. #2# ربما كان داعش هو التنظيم الذي يجسد ذلك الكابوس نظرا لما لديه من مال يتيح له شراء الخبرة اللازمة لصنع أسلحة دمار شامل. ووجد تحقيق استقصائي أجرته «الفاينانشيال تايمز» الشهر الماضي أن داعش يدير في المناطق التي يسيطر عليها في العراق "عملية واسعة تماثل تقريبا عمل شركة نفط حكومية، تشغل عمالا مهرة من مهندسين إلى مدربين ومديرين وتنتج نحو 34 إلى 40 ألف برميل يوميا. يباع النفط عند الآبار بما بين 20 و45 دولارا للبرميل ما يدر على المتشددين 1.5 مليون دولار يوميا في المتوسط". فإن نحن وضعنا المال إلى جانب الخبرة وفلسفة عدمية، سنجد سلاحا من أسلحة قوة الدمار الهائل مصوبا إلى كل من الغرب والشرق. عنصر رقمي ثانيا: تمول «داعش» زيادة كبيرة في قدرات حربها الإلكترونية. وقال جورج أوزبورن وزير المالية البريطاني يوم الثلاثاء إن "وحشية داعش المولع بالقتل يدعمها عنصر رقمي قوي. وبينما يستخدم كثيرون جدا الإنترنت لتعزيز الحريات وإضفاء القيم الليبرالية والإبداع على التعبير، تستخدمه هي في الشر". والهجمات الإلكترونية التي يخطط لها خبراء التشفير يمكن أن تعطل أنظمة ترتبط بالصحة والطاقة ومراقبة المرور الجوي ومحطات الطاقة النووية وغيرها كثير: والتكلفة البشرية يمكن أن تصبح سريعا بعشرات الآلاف إن جرى التنسيق لها عن كثب. ثالثا: إن «داعش» يملك أكثر من أي جماعة أخرى من الجماعات الإسلامية القدرة على اجتذاب أعداد ضخمة من المسلمين الشبان - بنين وبنات - إلى سورية والعراق للقتال معه أو للبقاء في البلدان التي ولدوا فيها ويصبحون عدوا لهذه الدول داخل هذه الدول. ويبدو أن إغراء الموت والقتل و"الثأر" عنصر جذب قوي - يزداد تضخما فيما يبدو بالساعات التي قضاها كثير من المتطرفين الشبان أمام شاشة تمتلئ بصور "الصليبيين" واليهود وهم يقتلون مسلمين. وهكذا تكون هناك شبكة مؤيدين يمكن أن تكون نشطة في معظم البلدان الغربية إما تشربت بالأفكار المتطرفة أو كانت أهدافا مستقبلية لتشرب الأفكار المتطرفة. وما من سبيل - خارج دولة شمولية مغلقة - لمراقبتهم جميعا طوال الوقت. أسلحة مختلفة ضمانات المجتمع الديمقراطي الخاضع لحكم القانون تضع حدودا: قال عضو في المديرية العامة للأمن الداخلي في فرنسا لجاك فولورو الصحافي في "لوموند" : "عليك أن تضع أولويات. إذا لم يكن الفتية قد ارتكبوا أي جريمة فمن العسير تبرير تسجيل أحاديثهم الهاتفية. ليس بوسعك أن تضع أناسا لا تملك ضدهم دليلا تحت المراقبة 24 ساعة". وهذه ليست كأي حرب أخرى كما أن أسلحتها ليست كأسلحة الحروب السابقة. وتقف في مواجهة داعش القوة العسكرية للولايات المتحدة والدول الأوروبية والآن.. القوة الروسية. وبمقدور هذه القوى بالقطع بجيوشها وما أوتيت من تكنولوجيا مخابراتية أن تدمر قوة تسعى لهدم حضارة القرن الحادي والعشرين وإحلالها بسلطة من سلطات القرون الوسطى. لكن يصب في مصلحة أنصار هذه السلطة الدينية عزوف مجتمعات الغرب الليبرالية الاستهلاكية عن الاستعداد للحرب أو إحاطة نفسها بأنظمة أمنية جديدة تكبل حرية الحركة والترفيه أو ضياع أو تقييد المعايير الليبرالية التي تعتبرها لا غنى عنها. كما يصب في مصلحتهم كراهية متأصلة تصل إلى حد جعل شبان يسيرون بين جثث شبان آخرين وشابات ويطلقون النار على من يتحرك منهم ثم يفجرون أنفسهم. ويصب في مصلحتهم عدم إدراكنا مدى الخطورة التي يبدون عليها. هذا في رأيي، يختم لويد، في مقاله، خطر يضاف إلى خطر الحرب: وهو خطر وجودي، خطر على وجودنا وعلى نمط حياتنا.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من العالم