Author

رسوم الأراضي .. الحاجة والصعوبات المؤسساتية

|
مستشار اقتصادي
منذ أن صدر قرار مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في 2015/03/27م بالتوصية العليا بفرض رسوم على الأراضي البيضاء ومنذ ذلك الحين والوسط الاقتصادي في تلهف إلى مزيد من التفاصيل. تقدم النقاش إلى أن وصل إلى مجلس الشورى وازداد الجدل الإيجابي والسلبي. الحاجة إلى رسوم على الأراضي واضحة من حيث المنطق الاقتصادي كآلية لإدارة المرفق وليس فقط للتعامل مع الإسكان على الرغم من دورها المهم في هذا القطاع. الأراضي للسكن أحد عناصر التكاليف بينما الرسوم آلية أوسع للتخطيط الحضري بما فيها الإسكان. ما أنا بصدده في هذا العمود هو التحديات المؤسساتية في إدارة الآلية واستحقاقاتها العملية. التحدي المؤسساتي اختبار حقيقي لإدارة التنمية والاقتصاد لما فيها من علاقة بين الاعتماد الرأسي (القرار القيادي) والعيوب الأفقية (الصعوبات التحليلية والعملية) في تنفيذ القرار. لإظهار العلاقة بين الرأسي والأفقي لابد من مراجعة سريعة لتجربة المملكة الاقتصادية. النجاحات الاقتصادية في المملكة من نوعان، النوع الأول، الذي يقبله الكثير ولعله مفخرة للكثير، نجاحات أرامكو وسابك والهيئة الملكية وإلى حد ما معادن. هذا النوع يتسم بقرار قيادي للتأسيس والحماية والدعم المالي والاقتصادي ودرجة عالية من الاستقلالية بما في ذلك المكافآت والتوظيف وتعيين الحكومة تكنوقراط على درجة من الكفاءة والنزاهة. هذا النوع ضروري فمثلا لا يمكن أن تقوم صناعة بتروكيماويات على مستوى عالمي دون دور حكومي قيادي فاعل، إذ لا يمكن لقطاع خاص في بداياته أن يقوم بمشاريع على هذه الدرجة من التعقيد والحجم. النوع الثاني، الأكثر تواضعا، الذي يشكل أغلب القطاعات ولعله أكثر وضوحا في قطاع التجزئة وأغلب الخدمات والإسكان وحتى المقاولات وحوكمة الشركات والصناعات التحويلية كما بدا واضحا الاحتكاك بين سابك وهذه الصناعات. العلاقة بين النوعين محورية وتحدد مدى قدرتنا على التعامل مع الدرجات اللاحقة في سلم التقدم الاقتصادي التنموي. ليس من المبالغة القول إن إدارة التفاعل بين النوعين تحدد مدى النجاح من عدمه تنمويا. النوع الأول ضروري لظروف البدايات الموضوعية، ويعكس عزم القيادة على توفير الممكن لتطوير الاقتصاد خاصة من خلال استغلال الموارد الطبيعية، بينما النوع الثاني يرسم معالم قدراتنا التنظيمية والإنتاجية من ناحية ويتعامل مع الاقتصاد الواسع (كل الاقتصاد ولذلك أتى التوصيف الأفقي). الطابع الأفقي يتطلب التفكير والتعامل مع الاستحقاقات المؤسساتية مثل تجميع وتحليل المعلومات وتحجيم القرار لتفعيل الحوافز والكوابح والتنظيم القانوني لتدعيم الملكية والحكم في الخلافات. كما أن النوع الثاني يجعلنا في مواجهة التطورات الاقتصادية التلقائية، ولذلك نجد صعوبات في تأسيس شركات صغيرة مؤثرة تقنيا، بل إن المطالبة بتشجيع المؤسسات الصغيرة غالبا يفقد النظرة العميقة في ظل اقتصاد حقق نجاحاته في النوع الأول، بل إن المبالغة في دور المؤسسات الصغيرة قد يكون مدخلا جديدا للهجرة الاقتصادية تحت عنوان جديد. تحديات النوع الثاني لا يكفي معها قرار قيادي فقط. سرعان ما يصدر القرار القيادي ولكنه لا يجد البيئة المناسبة، ولعل الأراضي أفضل مثال. عمليا أول خطوة أن يكون هناك سجل عيني متوافر إلكترونيا، ولذلك هناك تقصير من وزارة البلديات. العلاقة بين عنوان المقال وما ذكرت آنفا يقع في ثنايا الفرق بين النوعين. طبيعة قرار شامل وعميق مثل الرسوم على الأراضي يخضع للنوع الثاني لأنه تجاوز النوع الأول ولذلك هناك تردد مفهوم لأسباب كثيرة منها أن الجهاز البيروقراطي ليس على قدر من الكفاءة، ومنها أيضاً تعمق البعد الريعي وتعود الناس على اقتصاد قليل التنظيم في هذا المرفق والتعامل مع الاختلاف في المصالح بين الفئات المختلفة، كما أن غياب التأطير النظري للرسوم على الأراضي أضاف حالة من الارتباك. القرار القيادي تحقق ولكن تبعات النوع الثاني تحد كبير واختبار لقدرات الجهاز البيروقراطي وإلى حد معين القطاع الخاص. لن أعيد تفاصيل وجهة نظري هنا حول الحاجة إلى الرسوم ولكن أرى أن التهرب يحمل مخاطر أكبر من تبسيط القرار لكي يتسنى تطبيقه لما في ذلك من أهمية قصوى لتطوير المملكة والانتقال من مرحلة إلى أخرى بما فيها من اقتصاد يعتمد على الرسوم. من مرحلة اقتصاد ريعي ونجاحات في جزر معزولة إلى نجاحات أعمق وأكثر ديمومة.
إنشرها