Author

«بكائيات» بيئية

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"المستقبل إما أن يكون أخضر، أو لا يكون على الإطلاق" بوب براون سياسي أسترالي سابق وناشط بيئي دولي من النادر ألا تجد مسؤولا غربيا لا يتحدث عن التغير المناخي، والأضرار التي تتعرض لها البيئة حول العالم. بل بعض السياسيين في الغرب اعتمدوا أسلوب التملق لأنصار البيئة في بلادهم في زمن الانتخابات. إن هذه القضية تشبه قضية فلسطين التي "تسوّل" عليها طغاة العرب، دون أن يقدموا لها شيئا، بل على العكس، كانوا يستهدفونها بكل ما يُسيء إليها، و"يبكون" عليها من فرط تداعياتها الخطيرة. مسألة البيئة والتغير المناخي، صارت المحور الدائم في كل الاجتماعات واللقاءات، حتى تلك التي لا تختص مباشرة بها. إنها تضفي سمة الإنسانية على كل من يستغلها دون أن يقدم شيئا لحلها، ولا سيما أولئك الذين يملكون بالفعل آليات صنع القرار. دعك من المسؤولين غير الغربيين، فهؤلاء لا تشكل البيئة وحمايتها عندهم حتى مجرد عنوان. البكائيات على البيئة لا تتوقف، والحقائق حول خرابها الراهن والمستقبلي أيضا بلا حدود. لكن الحلول لا وجود لها، أو أنها موجودة في حدود دنيا، لا تقدم أحيانا ولا تؤخر. في الآونة الأخيرة، شن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري حملة من أجل مواجهة التغير المناخي، ولكنه "كغيره من المسؤولين الغربيين" لم يقدم أية حلول واضحة، أو حتى أي مبادرة أمريكية يمكن البناء عليها، والانطلاق في البحث عن الحلول. هناك بلا شك أموال تقدم من البلدان الكبرى، ونسبة من هذه الأموال تأتي من مؤسسات القطاع الخاص فيها، غير أنها تبقى غير كافية، وحتى لو سدت بعض الثغرات، إلا أن آثارها تتلاشى أمام غياب اتفاقات دولية حاسمة واضحة، وإخلاص حقيقي من جانب الحكومات الساعية لوقف الخراب الحاصل من التغير المناخي. الأضرار من التغيير المناخي تصيب مباشرة الأمن الغذائي العالمي، وهذه وحدها كارثة لن تستطيع كل البلدان الكبرى حلها، إذا ما كانت البيئة جاهزة للحل. وكلما ارتفعت حرارة الأرض درجة، زادت المخاطر بصورة أبشع، وارتفعت حدة التهديدات المستقبلية. تكفي الإشارة هنا، إلى إجماع المختصين الغربيين على أن الخسائر العالمية الناجمة عن التغير المناخي، تصل سنويا إلى 60 تريليون دولار! وهذا مبلغ "خرافي" حقا كفيل بحل أزمة الجوع والصحة والتعليم في كل أنحاء العالم. ولأن الأمر كذلك، فقد أكد الخبراء أن النجاح في خفض حرارة الأرض ثلاث درجات مئوية فقط، يوفر على العالم 50 تريليون دولار. لكن هذا لن يتحقق عن طريق "البكائيات"، بل عبر منهجية تقدم المصلحة العالمية عن المصلحة المحلية، من أجل خير الأخيرة. بعض الجهات الدولية، ترغب في امتصاص ردود الفعل العالمية، من خلال التشكيك بالنتائج التي يتوصل إليها أكاديميون في مجال الأضرار والخسائر الناجمة عن التغير المناخي. وهذه أيضا نقطة مرعبة، لأنهم يحولون القضية ـــ الكارثة إلى مسألة اختلاف في وجهات النظر، وتباين في الاستنتاجات، أكثر من كونها حقيقة يمكن أن يراها أي شخص دون الحاجة إلى مختصين وأكاديميين لتحديدها أو الإشارة إليها. بل هناك من يذهب أبعد من التشكيك، إلى اعتبار أن ارتفاع درجة حرارة الأرض، ينعكس بصورة إيجابية على الاقتصاد العالمي! فيرى (مثلا) البروفيسور ريتشارد تاول أستاذ الاقتصاد في جامعة ساكس البريطانية، أن ارتفاع درجة حرارة الكوكب بنحو درجة مئوية واحدة، أسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي العالمي بـ 2.3 في المائة! لكن ماذا عن التصحر والهجرة الهائلة التي لا تتوقف من المناطق الريفية إلى المدن؟ لا يقول تاول شيئا في هذا الموضوع. المشكلة برمتها ليست كما يحاول أصحاب رؤوس الأموال تصويرها، على أنها مجرد مبالغة من جانب الخائفين على البيئة والمرعوبين من التغير المناخي. هناك حقائق يعرفها الجميع بمن فيهم البروفيسور تاول، ولا يتناولونها بصورة واضحة. يضاف إلى ذلك، التقصير الخطير في تمكين البلدان النامية من جانب البلدان الصناعية الأكثر تقدما على الصعيد البيئي، دون أن ننسى بالطبع، أن الدول الصناعية تبقى المسبب الرئيس للتغير المناخي عن طريق ضخ كميات هائلة من الانبعاثات الكربونية في الأجواء. تقول مارجريت ميد كاتبة أمريكية مهتمة بالشؤون البيئية "لا يمكننا المحافظة على مجتمعنا إذا دمرنا بيئتنا". وحتى إن صحت استنتاجات البروفيسور تاول، فإن البيئة العالمية تتدمر. في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل سينعقد في باريس مؤتمر الأمم المتحدة الـ 21 للمناخ، وسيركز على إيجاد حلول عملية للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري. ويبدو واضحا، أن أولئك الذين يسعون إلى إبقاء الحال على ما هو عليه، يحاولون أن يشنوا حملة معاكسة للحملة التي يقوم بها أنصار البيئة من العقلاء. فمثل هذا المؤتمر سيكشف الجميع، وسيضعهم بالطبع أمام مسؤولياتهم، وهي مسؤوليات لا تحاكي الحالة آنيا، بل مستقبليا. يضاف إلى ذلك، أن الحكومات تحاول أن تختصر ما أمكن لها من مساهماتها المالية. بعد هذا المؤتمر ستستمر "البكائيات"، إلا إذا قام المسؤولون في العالم الغربي بـ "ثورة" في هذا المجال، وهو أمر ليس سهل الحدوث.
إنشرها