Author

رسوم الأراضي البيضاء .. حق للدولة على مواطنيها

|
إن الدولة منذ فجر تاريخها وضعت نظاما للرسوم الجمركية على السلع والبضائع، ورغم إن الأراضي هي نوع من أنواع السلع إلاّ أن بعض الاقتصاديين يميزون بين السلع وبين الأراضي، ولكن من وجهة نظرنا أن الأراضي سلعة يتعين على الدولة أن تأخذ رسوما عليها مثلها مثل بقية السلع والبضائع، ولا توجد حرمانية تمنع فرض الرسوم عليها، بل هي من باب تحقيق العدالة الاجتماعية، فإن الحكومات في دول كثيرة تقرر فرض رسوم على الأراضي البيضاء . إن العقار هو عصب الاقتصاد، ويؤثر في جميع مناحي الاقتصاد، والواقع أن عدم فرض رسوم على الأراضي البيضاء طيلة تاريخ المملكة عرض المجتمع لكثير من الأضرار، ونذكر على سبيل المثال إن المملكة أصبحت تعاني أزمة كبيرة تتمثل في الارتفاع الحاد في أسعار الأراضي البيضاء، لعدم وجود أنظمة لتحديد الأسعار، فأصبح المحتكرون يتلاعبون ويتضاربون بالأسعار كما يحلو لهم. ولاشك فإن هذا الارتفاع في الأسعار يتسبب في مشاكل لا حصر لها تضر بمصالح المواطنين والحكومة على حد سواء. وفي بلادنا فإن الأراضي البيضاء إما أن تكون من أملاك صاحبها أو أصحابها الذين يخططون للمتاجرة فيها، أو أراضي بيضاء ينوي أصحابها الاحتفاظ بملكيتها وتعميرها في المستقبل، أو أراضي بيضاء مملوكة للحكومة. بعض المصادر غير الرسمية قدرت بأن رسوم الأراضي تقدر بنحو 250 مليار ريال سنويا، وهناك اجتهادات غير رسمية تقدر الإيرادات بأكثر من هذا الرقم. وإذا أحصينا مزيدا من النتائج السلبية لغياب الرسوم على الأراضي فإن ارتفاع أسعار الأراضي هو نتيجة سلبية لغياب رسوم الأراضي، ولاشك فإن ارتفاع أسعار الأراضي يرفع تكاليف المعيشة بشكل عام، ويبطئ النمو الاقتصادي، ويزيد من معدلات البطالة ويرفع أسعار الإيجارات، وترتفع معها أسعار السلع والخدمات، أضف إلى ذلك فإن الدولة، وهي تحاول توفير السكن لمحدودي الدخل سوف تعاني الحصول على الأراضي التي تمنحها للمواطنين أو التي تقوم ببناء مساكنهم عليها. ولذلك فإن كثيرا من الدول تشرع رسوما على الأراضي البيضاء إلاّ أن حكومتنا الرشيدة منذ تأسيسها في 2 كانون الثاني (يناير) 1902 تركت الأراضي البيضاء ــ على سعتها وكثرتها ــ بعيدا عن أي رسوم، أي أن حكومتنا الرشيدة تنازلت عن حق من حقوقها بهدف تسهيل وتيسير سبل الحياة الكريمة لمواطنيها. وهذا يعني أن الدولة تنازلت عن حقها لأكثر من 100 عام. والآن لا تثريب على الدولة حينما تقرر فرض رسوم على الأراضي البيضاء، ولاسيما إن هذا العمل سيعود بالخير على المجتمع ككل وعلى الاقتصاد الوطني بصورة خاصة. إن فرض رسوم على الأراضي البيضاء سبيل مناسب لتحقيق أحد أهم أهداف الدولة وهو تحقيق العدالة الاجتماعية، لأنه سوف يؤدي إلى القضاء على براثن الاحتكار، وسوف يؤدي إلى انخفاض إيجارات العقار، كما يساعد على نشر الشفافية في سراديب المؤسسات المالية والاقتصادية. إن إقرار رسوم الأراضي البيضاء سوف يدفع الملاك إلى بناء الأراضي المعطلة عملا بقوله تعالى: "هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور"، وهذا من شأنه أن ينشر العمران في ربوع البلاد، وهو أدعى إلى تحقيق مبدأ من أهم مبادئ ديننا الإسلامي الحنيف، وهو مبدأ العدالة الاجتماعية، وهذا من شأنه تنشيط الاقتصاد والقضاء على الاحتكار ومضاربات الأراضي التي ألحقت أضرارا كثيرة بالاقتصاد وزكت مشاكل الاحتكار الذي أصبح السمة الرئيسة في تجارة العقار في أسواق السعودية. والأهم أن سَن نظام رسوم الأراضي سوف يؤدي إلى خفض أسعار الأراضي التي أصبحت أسعارها غير اقتصادية وخيالية، وهي أسعار تفوق مستوى الأسعار في دول كثيرة مجاورة. إن إقرار رسوم الأراضي سوف يمنع تلاعب الوسطاء في عمليات البيع والشراء، وسوف يساعد على تنفيذ مشاريع الإسكان التي نهضت الدولة لتنفيذها بغية توفير السكن لأبنائها. في ضوء ذلك أتصور أن رسوم الأراضي البيضاء سوف تقوم بعمليات تنظيف شامل لسوق العقار السعودية التي علقت بها كثير من عمليات النصب والغش والجشع طوال قرن كامل من الزمن. إن سرعة إنجاز هذا المشروع على الأراضي البيضاء تعود إلى مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي أقر فرض الرسوم، ورفع توصية إلى مقام مجلس الوزراء الذي درس المشروع ورفعه مؤخرا إلى مجلس الشورى لوضعه في صيغته القانونية وتحديد آليات التنفيذ والتطبيق، ومن ثم إعادته إلى المقام السامي لتتويجه بالأوامر الملكية الملزمة بالتنفيذ والتطبيق. وفق الله حكومتنا الرشيدة لاتخاذ مزيد من القرارات الرشيدة التي سوف تعود بالنفع على الأجيال المقبلة التي كانت تتطلع إلى مثل هذه القرارات ذات الفائدة بعيدة المدى.
إنشرها