Author

اللاجئون.. اقتصاد وسياسة وفوضى

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"تدفق المهاجرين سيغير ألمانيا" أنجيلا ميركل مستشارة ألمانيا سواء غيَّر المهاجرون ألمانيا، أم لم يغيروها، تبقى الفوضى في صنع القرار الأوروبي حيال التدفق التاريخي للاجئين إلى القارة دون تغيير. وتظل الاتهامات المتبادلة بين حكومات الاتحاد الأوروبي حاضرة، والتظلمات من بعض الدول موجودة، والحل العملي الواقعي للأزمة يستمر في غيابه. أوروبا تعيش بلا شك أزمة قيادات منذ سنوات، وهي تعيش أيضا أزمة مشرعين حكماء يحاكون المستقبل، ويتعاملون مع المستجدات بواقعية أكبر. لكن أسوأ ما تعيشه حقا، الاعتبارات الحزبية المحلية، التي تنال من منهجية حل الأزمات بشكل عام، وأزمة المهاجرين واللاجئين في مقدمتها في الوقت الراهن. ويبدو أن أوروبا اعتبرت أن أزمة اللاجئين التي خلفتها الحرب العالمية الثانية، هي آخر الأزمات من هذا النوع، ما يدل على رؤية مشوشة قاصرة لمسألة استراتيجية بكل المقاييس. دول أوروبية ترحب باللاجئين بقوة منقطعة النظير، سرعان ما تتلاشى وتتراجع، ما يجسد حالة الفوضى في صنع القرار. ودول أوروبية أخرى دفعت باللاجئين منذ البداية إلى خارجها، بل بعضها نكّل بهؤلاء المستجيرين بملاذ آمن، وجمعت هذه الدول اللاجئ المستحق بالمهاجر غير المستحق، ووضعتهما في التوصيف نفسه، وبالتالي العوائد نفسها. المسألة هنا لا تتعلق بدولة غنية ترحب وتتراجع، ولا ببلد يصد ولا يتراجع. إنها مسؤولية دولية، عار على الاتحاد الأوروبي ألا يكون بحوزته حل جاهز لها، أو على الأقل حل آن مشرف وإنساني، حتى يتم الوصول إلى الحل المستدام النهائي. هذا الاتحاد تجمع لدول حديثة التكوين والنشأة، بل هو كيان من بلدان مرت بتجارب من الغبي أكثر ذكاء ومن الجاهل أكثر معرفة. ولأن الأمر كذلك، جاءت القرارات متضاربة، بل تدعو للسخرية في بعض الحالات. صانعو القرار في الاتحاد الأوروبي، لم يجدوا في الواقع حلا أفضل من إشراك تركيا، ليس من منطلق إنساني بحت، بل من دافع مالي خالص. وجدوا أن منح أنقرة مزيدا من الأموال المعلومة، سيقلل تدفق اللاجئين إلى القارة الأوروبية، على اعتبار أن تركيا تمثل المصدر الأكبر والأهم لهؤلاء اللاجئين المنتمين إلى جنسيات مختلفة. أي أنهم ليسوا سوريين أو عراقيين فقط. ولا بأس من تقديم إغراءات أخرى للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تتعلق بروابط أوثق مع بلاده، وليس هناك مانع من إعادة فتح ملف انضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي. نقول فتح الملف فقط، وهذا أمر تم مرات عدة في السابق، دون أن تظهر أي نتيجة بهذا الخصوص. لا غرابة في قيام المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بزيارة رسمية لتركيا هذا الأسبوع، ولا غرابة أيضا، في وضع أردوغان ورقة أزمة قبرص على الطاولة. إنها مساومة في النهاية، وقودها لاجئون لا ذنب لهم، إلا أنهم ينتمون إلى بلدان حكمتها وتحكمها أنظمة تعمل بمبادئ ومعايير قطّاع الطرق. تذهب ميركل إلى تركيا وهي تحمل ثلاثة مليارات يورو، الهدف هو أن تبقي أنقرة اللاجئين عندها، ولا بأس من أن تحسِّن ظروفهم، على اعتبار أنهم يمثلون بالفعل ضغطا على كاهل الموازنة العامة التركية. هذه المليارات لا تقدم دون شروط، في مقدمتها بالطبع أن تمنع السلطات التركية دخول باكستانيين وأفغان ومواطنين من جنسيات أخرى إلى أراضيها. لماذا؟ لكي يتم التركيز على السوريين والعراقيين، باعتبارهم الأكثر تضررا في الوقت الراهن مما يجري في بلادهم. حسنا، هذا منطقي بالفعل. يضاف إلى ذلك، أن بقاء اللاجئين خارج نطاق الاتحاد الأوروبي، يبقى أرخص من دخولهم إليه، دون أن ننسى، خوف الأوروبيين الذين يروجون أن متطرفين يندسون وسط اللاجئين ما يزيد الأمر خطورة على الصعيد الأمني. لن يتردد أردوغان لحظة في قبول هذا العرض وأي عروض أخرى ذات صلة، لكنه في الوقت نفسه، لا يرغب في أن يكون حارسا لحدود الاتحاد الأوروبي من المستجيرين، دون أن يحصل على المكاسب المالية الحقيقية والسياسية أيضا. الأموال المقدمة له ليست كافية بالفعل، لكنها بلا شك تلبي المخططات التركية على الأقل في المدى المنظور، لكن الأهم، الامتياز الذي يسعى له، والذي يسبق حلمه بعضوية الاتحاد الأوروبي، وهو تيسير تحرك الأتراك أنفسهم باتجاه أوروبا. هذه النقطة لن تكون سهلة كما تبدو حتى لو قورنت بمسألة العضوية التي تحلم بها تركيا، ولا ترغب أوروبا في مناقشتها أصلا. الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أسرع على الفور للإعلان أن الأتراك لن يحصلوا على تأشيرات سفر بشروط أيسر. والخوف من التدفق التركي باتجاه أوروبا، ليس أقل منه من تدفق اللاجئين إليها. بل إن محاذير الخوف الأول أعلى من محاذير الثاني على المدى البعيد، وفق الرؤية الأوروبية. وفي كل الأحوال، جاءت مسألة اللاجئين والمهاجرين فرصة تاريخية لأنقرة للمساومة. هذا حقها لأنها تتحمل عبئا كبيرا من العدد المتزايد للاجئين في أراضيها. غير أن حقوق هؤلاء الذين يبحثون عن ملاذ آمن، ليست منظورة إلا في حدود تفاعلاتها الآنية.
إنشرها