Author

«خلافة الغازي» مسؤولية وطنية مشتركة

|
منذ «عاصفة الحزم»، ظهرت أكثر من مبادرة فردية في مناطق المملكة هدفها التخفيف عن أسرة المرابط، فمثلا قام أصحاب القلوب الذهبية بإسقاط الإيجار عن البعض، وتكفل آخرون بتوصيل أبنائهم للمدارس، وقدم غيرهم مساعدات إنسانية متنوعة، ليتوهج لمعان تلك الخيوط الذهبية في نسيج المجتمع. من ضمن البرامج التي تقدمها الدولة وتهتم بشؤون المرابطين، برنامج "خلافة الغازي" الذي يهدف لتفريغ المرابط لمهمته العسكرية، بالتكفل برعاية شؤون أسرته، من خلال توفير وتسهيل الاحتياجات المادية والمعنوية والمساهمة في حل المشكلات الاجتماعية والنفسية، الخاصة بأسرة كل جندي، بالتنسيق مع الجهات الحكومية ذات العلاقة. وتم بناء البرنامج انطلاقا من حديث النبي عليه الصلاة والسلام "من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا ومن خلف غازيا في أهله فقد غزا". وعلى أثر ذلك قامت وزارة التعليم بدورها بدراسة طلبات المشاركين في الحرب، وإعادة الأمل لأسرهم بإرسال تعاميم لندب زوجات المرابطين أو بناتهم لوظائف وإلحاقهن بركب أهاليهن، ولكن كان التعميم يشمل فقط المعلمات، دون الإداريات أو المساعدات في برامج التعليم الموازي، ولا يشمل أيضا الموظفات في الوظائف الأخرى غير التعليمية، خاصة أن أهالي كثير من الزوجات يقطنون في محافظات أخرى بعيدة. وفي ظل غياب العائل، تستحق زوجة المرابط، وقفة إنسانية من جميع مؤسسات الدولة وليس التعليم فقط، فما الذي يمنع بقية قطاعات العمل من تسهيل ظروف الزوجة، ولماذا ينتظرون تعاميم أو قرارات لمساعدتها، بينما تكفي مكالمة هاتفية أو رسالة إلكترونية لمرجع عملها وتسهيل ظروفها. ينبغي أن ندرك جيدا أن بعض الحلول لا تحتاج سوى أن تكون إنسانا أكثر. من هنا أرفع للمشرف العام على برنامج خلافة الغازي، اقتراحا بتعديل بعض الشروط لتتضح الرؤية في عملية منح إجازة أو انتداب للموظفة دون استثناء، فزوجة المرابط ينبغي أن تقدم لها من الأساس التسهيلات دون تصنيف لنوعية وظيفتها، خاصة أن بعضهن يعانين طول الإجراءات، وأوضاعا نفسية صعبة، ولا يوجد من يساندها سوى أهلها الذين يقطنون في مناطق بعيدة عنها. يظن البعض أنه غير ملزم بتقديم أي خدمة للمجتمع، ويعتقد أنه واجب الدولة فقط، بل يعتبر وظيفته التي يتقاضى عليها أجرا هي الخدمة، وحتى مع قيام الدولة بواجباتها، يظل واجبا على كل فرد أن يقدم دورا إيجابيا للمجتمع الذي يعيش فيه، لذلك ينبغي أن تعمل الإدارات العليا في أماكن العمل، على تغيير ثقافة "ما لي شغل"، ودفع أفرادها إلى ترجمة واجبهم الوطني فعليا، بالمشاركة في مبادرات هادفة تخدم الجنود فعليا، وتساهم في تحسين ظروف حياتهم، فعلى سبيل المثال لم تقدم المصارف السعودية إلى الآن أي مبادرة تستحق الإشادة، مع أنها كانت قادرة على إسقاط جزء من القروض، أو إعفائهم من تسديد نسبة منها، بدلا من صرف تلك الأموال في إعلانات ودعايات تسجل بها وطنيتها دون عمل نلمسه. المفارقة المؤلمة، حين تقوم بعض القطاعات الشهيرة في المملكة، بعمل خصومات على رسومها، لمنسوبي بعض الشركات بشكل دائم، تشمل خصومات لمدارس أهلية، وأسعار تذاكر وفنادق وتصل حتى للمواد الاستهلاكية، بينما لم نسمع أي مبادرة، من أي جهة تقدم مميزات خاصة للجنود! من الضروري الآن، أن تتعاون جميع القطاعات التي تقدم خدمات للمواطن، من أجل إطلاق "مبادرة وطنية شاملة تقدم مميزات خاصة للقوات المسلحة والمرابطين"، فإذا طورت كل جهة تقدم خدمات مثل، "شركة الكهرباء، أو الاتصالات، أو الجوازات مثلا" بندا واحدا، من أنظمتها الخاصة بالمسؤولية الاجتماعية المشتركة، لتقر بأن جزءا من تلك المسؤولية أن تلتزم "بإعفاء أو استثناء أفراد القوات المسلحة ورجال الأمن، من رسوم الخدمة التي تقدمها أو جزء منها"، لكان هذا هو المعني الفعلي للوطنية، للتخفيف عنهم من جهة، وتقديرا لكل ما بذلوه، من أجل حمايتنا وحماية أبنائنا ووطننا من جهة أخرى. حتى التاجر يستطيع أن يقدم واجبه بشيء ملموس لا ينقطع يدعم برامج التكافل ــــ أو يصدر بطاقة خصم لأسرة الجندي، أو تحديد نسبة تخفيض ثابتة، تمنح في متاجره للقوات المسلحة على سبيل المثال. وأرى أننا كمجتمع تجاوزنا مرحلة اللافتات المكتوب عليها "جنودنا البواسل أنتم في قلوبنا"، لأننا نطمح إلى أن يشعروا بذلك، دون مزايدات كلامية، نريد أن يصلهم على الحدود وعلى خط النار، أن جميع شرائح المجتمع تتعاون من أجل مساندتهم. "خلافة الغازي" مسؤولية وطنية مشتركة، يجب أن تدعم بشكل مستمر، وتفعل تلقائيا، بمميزات إضافية أثناء الحرب، بمشاركة من جميع الوزارات دون استثناء. نجاح أي مسؤولية وطنية، يتطلب تضافر جهود المواطن مع الدولة، لتحقق الأهداف المرجوة منها.. بشكل أعمق. نسأل الله أن يعيد إلينا أبناءنا وإخواننا المرابطين سالمين بنصر من عنده.
إنشرها