Author

ممارسات اقتصادية حكيمة تتجاوز عقبة أسعار النقط

|
لم تكن توقعات صندوق النقد الدولي مفاجئة فيما يتعلق باستمرار نمو الاقتصاد السعودي بنسبة 3.4 في المائة هذا العام، ولكنه رجح أن يتراجع النمو إلى 2.2 في عام 2016، والسبب بلا شك سيعود إلى استمرار أسعار النفط عند مستوى 50 دولارا. ولهذا السبب أيضا فإن هذا التراجع لن يصيب الاقتصاد السعودي فقط بل اقتصاد الوطن العربي وعدد من اقتصادات العالم. فمن بين الاقتصادات الرئيسة توقع صندوق النقد أن ينمو الاقتصاد الأمريكي 2.8 في المائة في 2016 وينمو اقتصاد منطقة اليورو 1.6 في المائة واليابان 1.0 في المائة. ومن المتوقع أيضا أن يتباطأ النمو في الصين إلى 6.3 وستشهد الأسواق الناشئة نموا ضعيفا بسبب هبوط حاد في أسعار السلع الأولية. إذا فنحن أمام تراجع واسع النطاق في النمو الاقتصادي العالمي، ولهذا فإن الآثار السلبية لهذا التراجع ـــ إن حدثت ـــ فلن تكون محصورة في منطقة معينة أو دولة واحدة، وهذا بالتأكيد سيرفع من مستوى التأهب العالمي لمواجهة مثل هذه الصدمات، ما يجعل الأثر السلبي في دولة واحدة محدودا طالما هناك تعاون دولي لمواجهة ذلك، يهتم صندوق النقد الدولي بنشر هذه الأنباء بشكل دوري. من الجميل أن اقتصاد المملكة سيستمر في النمو على أي حال، وحتى لو كان هناك تراجع في معدلات النمو، لكننا سنحافظ على الاتجاه العام رغم التراجعات الحادة والسريعة التي أصابت أسواق النفط، لعل هذا يرجع أساسا إلى عدة سياسات اقتصادية حكيمة، الأولى هي الحنكة المالية التي تصرفت بها المملكة في فترة ارتفاعات الأسعار، حيث عملت المملكة بجهد كبير على تخفيض الدين العام حتى وصل إلى مستويات دنيا قياسية مقارنة بالناتج المحلي. الأمر الثاني هو بناء احتياطي قوي جدا من النقد الأجنبي، ولهذا فإن المملكة لن تواجه ضغوطا حادة على سعر الصرف ما يؤثر بشدة في الأسعار، ولهذا فقد أشار صندوق النقد الدولي إلى أن المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي تستطيع الاعتماد على احتياطياتها من العملات الصعبة المقدرة بـ 2500 مليار دولار. والثالث هو سياسة المحافظة على الحصص السوقية في سوق النفط بدلا من المحافظة على السعر، حيث إن المحافظة على الحصة أولى. ولهذا فإن المملكة قادرة على وزن الانخفاض في السعر خلال السنوات القادمة من خلال التأثير الواسع في السوق النفطية. لقد استغلت المملكة سنوات الارتفاع في أسعار النفط من أجل دعم البنية التحية، وحل الكثير من المشكلات ومنها مشكلة النقل العام، وبناء منظومة قادرة على دعم نمو القطاع الخاص، ولهذا فإنه من المتوقع أن تجني المملكة ثمرات هذه الخطط خلال الأعوام القادمة، حيث إنه يمكن أن يقوم القطاع الخاص بدوره في دعم النمو وتشغيل العمالة ما يخفف الأعباء على الميزانية العامة، إضافة إلى أن النجاحات في قطاع النقل ستساعد المملكة على تخفيف الدعم في عدة مجالات وهو الأمر الذي يشجع عليه صندوق النقد الدولي، وهو أمر يسهم إلى حد بعيد في الاستفادة من الوفر الناتج في دعم مشاريع تعود بالفائدة أكثر على المواطنين. خلاصة القول، إن توقعات صندوق النقد في ظل الظروف القائمة هي توقعات جيدة، فالاقتصاد السعودي سيتجاوز عقبة أسعار النفط من خلال الممارسات الاقتصادية الحكيمة، وستظل المملكة من أقل دول العالم تضررا بهذا التراجع، بفضل هذه الممارسات.
إنشرها