العالم

«الداعشيات» .. حين تجنّد المرأة لإذلال المرأة

«الداعشيات» .. حين تجنّد المرأة لإذلال المرأة

«الداعشيات» .. حين تجنّد المرأة لإذلال المرأة

بات لافتًا للنظر تنامي ظاهرة تجنيد النساء، وانضمامهن للجماعات الإرهابية، وانخراطهن في العمل الدعوي والإعلامي لهذه الجماعات، إلى جانب قيامهن أيضًا بأعمال خطرة، واشتراكهن في القتال، وقد برز تنظيم "داعش" في هذا الإطار، من خلال تركيزه على الترويج لفكرة أن المرأة جزء أساسي وفاعل في "دولته" التي يدعو إليها من خلال نشر صور وفيديوهات لـ"الداعشيات" الجديدات وهن يمارسن فنون القتال كتدريب، أو يقدن عمليات الخطف والاعتقال لنساء من خارج التنظيم. تناقض التنظيم وتكتسب هذه الظاهرة، وفقا لدراسة استعرضها قسم وحدة الرأي في المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية، أهمية وزخما خاصا لأكثر من سبب، لعل أهمها يتمثل في التناقض، الذي يتعامل به التنظيم مع المرأة بشكل عام، فمن جانب يزدري التنظيم النساء، ويمارس ضدهن أقسى أنواع التمييز والعنف، من سبي واغتصاب وقتل، ومن جانب آخر يسند إلى أعضائه من النساء مهمة التجنيد والدعوة والترويج لأفكاره، فضلا عن الاشتراك في عمليات السبي والاعتقال، في الوقت الذي يثير فيه سلوك "الداعشيات" الحيرة أيضا من موقفهن حيال التنظيم، وإقدامهن على التطوع فيه من تلقاء أنفسهن، متأثرات بالخطاب الإعلامي، الذي نجح في تجنيد الأوروبيات على غرار العربيات. على الرغم من أن استخدام الجماعات الإرهابية والمتطرفة للمرأة في التجنيد والترويج لأهدافها ليس بجديد، حيث ظهر ذلك في ستينيات القرن الماضي، فإن ظاهرة اعتماد الجماعات الإرهابية في المنطقة على النساء قد بدأت من خلال تنظيم "القاعدة"، الذي أصدر أول بيان إعلامي له عن البدء في تجنيد النساء وقبول انضمامهن للتنظيم بشكل علني عام 2003، كما أنشأ التنظيم موقعًا إلكترونيًّا لمجلة نسائية مطبوعة أُطلق عليها "الخنساء" في عام 2004، أشرفت على تحريرها عضوة في التنظيم تسمى "أم أسامة"، وهي أول إصدار نسائي خالص، إذ اكتفى التنظيم لفترة طويلة بمخاطبة النساء عبر زاوية ثابتة في مجلة "صدى الملاحم" بعنوان "حفيدات أم عمارة"، ثم عمل على إصدار مجلة ثانية وهي "الشامخة" عام 2011، وهي مجلة حاولت الجمع بين النقيضين، وهما سبل الانخراط في الجهاد، والحياة الطبيعية للمرأة في بيتها ومع شركاء حياتها. في حين بدأ الإعلان عن توظيف المرأة في كتائب الجهاد الإلكتروني للتنظيم في عام 2008، كما أصدر التنظيم بيانًا إعلاميًّا يدعو فيه النساء إلى الهجرة إلى اليمن لمشاركة مقاتلي التنظيم نشاطهم هناك عام 2010. نساء للترويج استطاع تنظيم "داعش" البناء على خبرات سابقيه في استخدام النساء كآلية للترويج لأفكار التنظيم وتجنيد أعضائهن، مستفيدًا من التقدم التكنولوجي الذي أتاح مزيدًا من الفرص للاستفادة من وجود عناصر نسائية في التنظيم. وقد تزامن بروز اسم التنظيم مع إعلانه عن وجود عناصر نسائية داخله، ولا سيما من الأجنبيات، حيث كشف تسجيل مصور للتنظيم حمل اسم "الإصدار الفاجعة"، الذي بث خلال شهر يناير 2014 عبر مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" و"تويتر" عن حجم الحضور النسائي في صفوف التنظيم، وركز مقطع الفيديو على وجود خمس مهاجرات من جنسيات ولهجات مختلفة، يتهمن "الجيش السوري الحر" باستهداف أُسَر مقاتلي "داعش" والاعتداء عليهن. وركز الفيديو على التحاق بعض الفتيات بـ"إخوانهن الذكور" للقتال في سورية. ومنذ ذلك الحين توالت مظاهر تركيز تنظيم "داعش" على جهود نسائه، عبر العمل الإلكتروني والإعلامي المقروء من خلال إصدارات التنظيم، والنشاط العملياتي على الأرض أيضًا، والذي يبرز اشتراكهن في أعمال العنف التي وُثقت بمقاطع الفيديو المصورة، التي أظهرت في أكثر من فيديو وجود مقاتلة أو أكثر من النساء في صفوف التنظيم تشارك في عمليات ذبح الرهائن، فضلا عن الصور التي تبدو فيها "الداعشيات" كمشرفات على عمليات اختطاف واقتياد عدد من النساء، ولا سيما الأيزيديات في العراق. #2# وتجدر الإشارة إلى أن معهد الحوار الاستراتيجي البريطاني قد نشر دراسة بداية هذا العام قدّر فيها عدد المقاتلين الغربيين في تنظيم "داعش" بنحو ثلاثة آلاف مقاتل بينهم 550 من النساء. وفي هذا السياق، أكد تقرير لمرصد الفتاوى التكفيرية والآراء الشاذة بدار الإفتاء المصرية، أن تنظيم "داعش" يستغل النساء لتحقيق أهدافه، حيث حول النساء إلى ميليشيات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لتدريبهن على العمل الإعلامي للعمل على استقطاب أكبر قدر ممكن من النساء والشباب للتنظيم، موضحًا أن مواقع التواصل الاجتماعي تعد ساحة للحرب بالنسبة لهن، كما دشن التنظيم مؤسسات خاصة بالنساء، أهمها مؤسسة "الزوراء" لتعليم النساء وإعدادهن للمشاركة في القتال وحمل السلاح، وتعليمهن الإسعافات اللازمة في الحروب، وتدريبهن على العمل الإعلامي المكتوب والمصور، بهدف استقطاب أكبر قدر ممكن من النساء. كتائب للتعذيب فيما اعتبر التقرير أن كتيبة "الخنساء" هي النموذج الأبرز للدور العملياتي للمرأة داخل التنظيم، إذ تتولى المرأة الداعشية بنفسها عمليات الاعتقال والتعذيب التي تمارس ضد النساء اللاتي يخرجن عن قواعد التنظيم. وقد عمل تنظيم "داعش" على إسناد جزء مهم من وجوده على الفضاء الإلكتروني إلى ما يمكن أن يطلق عليه "جيش من النساء" المنضمات إلى التنظيم، واللائي بدأ نشاطهن في الظهور تحت اسم "المناصرات" و"المهاجرات" على مواقع "فيس بوك" و"تويتر"، وبدأت صورهن التعبيرية على صفحاتهن الخاصة تتبدل بصور للدماء والرؤوس المعلقة، وعلم التنظيم، غير أن ملاحقة الحسابات المحسوبة على التنظيم والتابعة لأعضائه وإغلاقها قد دفعت إلى استخدام حسابات وهمية في محاولة اختراق المجموعات الاجتماعية والصفحات النسائية على "فيس بوك" بهدف اختراق العقول وتغيير المفاهيم، ولا سيما في أوساط الشباب والنساء، وذلك من خلال التركيز على الحديث عن مشكلات المجتمعات العربية، وما يعتبرونه تضييقًا على المتدينين، مثل إغلاق بعض المساجد، ومنع الأذان، وتغيير المناهج الدينية أو إلغائها من المدارس. ويشير المختصون إلى أن التناقض الذي يبديه تنظيم "داعش" في التعامل مع المرأة في المناطق الخاضعة لسيطرته، غالبًا لا يؤثر في الفئة المستهدفة من الشباب من الجنسين، وعلى وجه الخصوص من الفتيات اللاتي يتطوعن للانضمام للتنظيم، رغم ممارسات الأخير مع النساء وفتواه بشأن السبي ونكاح الجهاد وغيرها من الفتاوى المثيرة للجدل، وذلك لعدة أسباب، من بينها أن فئة المتطوعات عادة ما ينشأن في بيئة متشددة يغلب عليها الفكر التكفيري والمتشدد، وهو ما يتسق مع نمط تطوع الفتيات في المنطقة، حيث تسعى تلك الفتيات إلى اللحاق بأشقائهن أو أزواجهن أو آبائهن، أو أن يكنَّ ضحايا لمفاهيم مغلوطة عبر أجهزة إعلام التنظيم النشطة في الفضاء الإلكتروني، والذي نجح في استقطاب عديد من الفتيات الأوروبيات خلال الفترة الأخيرة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من العالم