Author

زهور: «لا.. لن أدير لهم ظهري»

|
- أهلا بكم في مقتطفات السبت رقم568 *** حافز السبت: فليعرف المحبطون والغيورون والحاسدون أنهم يحرقون أنفسهم وقودا لتندفع به عربات طلاب الأعمال السامية، ومحبّو العمل الإنساني، والساعون لذرى الطموح والتفوق. *** المكالمة: قبل البارحة كانت واحدة من أجمل المكالمات الهاتفية التي أجريتها في حياتي. مكالمة لم تخرج منها الكلمات فقط، بل تفيض منها الأنوار، وتشع حولها هالات السناء في أبهى سطوعه. مكالمة جرت كان قلبي يريد جاهدا أن يقلع من مكانه فخرا وسعادة. كانت المكالمة مع الفتاة التي كنت إلى يوم قريب أظن أنها لن تكون، أو لم توجد. الفتاة التي تقدم عملا إنسانيا كما قدّمه قبلها كبار الشخصيات التطوعية العالمية من النساء. فتاة تعمل من أجل الله ثم من أجل الإنسانية. ومن أجل العاطفة التي تؤججها حماسة لا تعرف الخمود، بل تدفعها دفعا لاجتراح المستحيل ذاته، والوقوف وجها لوجه مع الخوف والإطلال في عينه ثباتا وتحديا. الفتاة التي رغم عبء دراستها للطب في بلد صعب هو هنجاريا تخرج يوميا من مدينتها التي تبعد ساعات عن موقع لآلاف اللاجئين السوريين وتبذل نفسها ساعات طوالا من أجل مساعدتهم، وما مساعدتهم؟ إنها المهمة الصعبة، المهمة التي لا يمكن أن نتصور وقائعها ونحن نراها بمنطقتنا المريحة وراء شاشات التلفزيون، فالواقع حارق، والدماء ساخنة، والآلام صارخة، والوجع الإنساني في منتهاه. تقف هذه الفتاة تكاد تكون وحيدة لتخطو في قلب المستحيل، وتعمل بنفسها ما لا تعمله فرقة إغاثة. إنها الفتاة التي لم أجرؤ حتى في الحلم يوماً أن تكون حقيقة، ولكنها حقيقة تملأ الواقع، وهي الطبيبة الشابة "زهور بن فائع عسيري". فتاة لما قادتها حماستها العاطفية في الإيمان بالعمل من أجل مساعدة إخوتها السوريين لم تعتقد أنها كانت تملك كل هذه الطاقات التي أذهلتها.. وأذهلت العالم. *** الفتاة: زهور عسيري بنت عادية، كما يقول الأجانب، كبنت الجيران. ليس بها زهو ولا علامة فارقة عن أي بنت في عمرها. إلا أن في داخلها تسكن كل براكين الأحزمة البركانية التي تقبع في قيعان المحيطات. هي كتلة تفور من الحماسة التي لا تعرف اليأس ولا النكوص. ولما رأت معاناة السوريين لم تفعل مثل الكثيرين، الذين تعاطفوا وبكوا.. ثم لا شيء. الحماسة هي البنية المحركة لأي إيمان بأي شيء، ولأن زهور تؤمن بقضية مساعدة الإنسان لأخيه الإنسان في عذاباته ومعاناته الفظيعة حركت الحماسة عاطفتها لتقوم بالعمل وقفزت فوق الجدار الكبير لساحة المشاهدين. تقول زهور: "قل لي: كيف يمكن أن أدير لهم ظهري؟ مستحيل!". فبقيت معهم واستغلت كل السبل القانونية المتاحة لتقنع الشرطة الهنجارية لتساعدهم، فهم لا يتكلمون الهنجارية وهي تتكلمها بيسر، ولا يعلمون عن أخبار الدنيا شيئا، فتطلعهم عن حدود الدول التي فُتحت، وعن مواعيد القطارات التي تتحرك من المحطات، بل إنها اشترت بكل ما تملك من مال جمعته لسنوات آلاف التذاكر للاجئين سوريين وتشرف بنفسها على ترحيلهم، حتى إن الشرطة الهنجارية سلمتها زيا رسميا كأكبر اعتراف بجهد فتاة لم تقل: "لا حول لي ولا قوة"، بل آمنت بأن الله أعطاها كل حول وقوة. *** والمهم: زهور عسيري قدرها أن تخوض الصعاب وتطل بجرأة بعين الصعاب وتقتحمها، حتى في دراستها مع تفوقها في الثانوية لم تقبل في الطب في الجامعات السعودية، فذهبت إلى أستراليا، حيث لم تسمح الكراسي المحدودة بقبولها فلم تتوان ولم تتردد فذهبت لبلد غريب، يتكلم لغة صعبة، بلد صعب في شعبه وطرائق حياته، وشقت الطريق الصخري بهنجاريا بالظفر والدم حتى تخرجت طبيبة هذا العام. أخبريني يا زهور.. كم قلبًا ملأتيه بالزهور؟
إنشرها