Author

القيادة الإدارية .. والأكاديميون

|
مختص في التمويل والتنظيم وأكاديمي
لغة الأرقام تقول لنا إنها المرة الأولى التي لا يتجاوز حملة الدكتوراه أكثر من نصف أعضاء مجلس الوزراء منذ عام 1416هـ، عندما كان يشكل الأكاديميون أكثر من 60 في المائة من أعضاء المجلس. ثم استمر تربع حملة الدكتوراه من الأكاديميين لأكثر من نصف أعضاء مجلس الوزراء إلى حين تشكيل مجلس الوزراء الأخير عام 1436هـ. 45 في المائة فقط من التشكيل الجديد لمجلس الوزراء من حملة الدكتوراه، كما أن أكثرهم من غير الأكاديميين. أي أن أقل من نصف الأعضاء من حملة الدكتوراه ومن غير الأكاديميين التقليديين. التشكيل الأخير يعيدنا لتشكيلة مجلس الوزراء عام 1395هـ عندما كان أعضاء مجلس الوزراء 25 عضوا وكان حملة الدكتوراه لا يشكلون أكثر من 44 في المائة من أعضاء المجلس. كما أن جل حملة الدكتوراه في المجلس الجديد من العاملين في القطاع الخاص، بمعنى أنه لم يسبق لهم حتى الانخراط في العمل الأكاديمي التقليدي. وأنا بصدد النظر لهذه الأرقام تذكرت المقولة التي ذكرها الدكتور غازي القصيبي، يرحمه الله، من أن الدكتوراه تعني فقط القدرة على البحث العلمي وليست بالضرورة القدرة الإدارية والقيادية. فالجامعات يجب ألا تكون مكانا لاختبار الإداريين وإنما يجب أن تبقى مكانا للباحثين والمستشارين. بدليل أنك لا تجد اختلافا في طبيعة المشاكل الإدارية التي يعانيها بعض جامعاتنا عن طبيعة المشاكل التي تعانيها بقية المؤسسات الحكومية الأخرى. ففي أحد الملتقيات العلمية، ذكر أحد المختصين في الموارد البشرية أن معاناة القطاعات الحكومية الإدارية متشابهة حتى لدى القطاعات التي كان من المفترض أن تكون أنموذجا لتبني الأنظمة والتقيد بتنفيذها كالجامعات وغيرها. فلا يوجد دليل على أن إنتاجيتها مختلفة أو أن صور الفساد فيها مختلفة عن صور الفساد الموجودة لدى بقية أجهزة الدولة. فمعظم الجامعات ليست رائدة في عملها الإداري أو التنظيمي على الرغم من وجود العديد من المختصين والمستشارين في جوانب التطوير والإدارة. لذا جاءت فكرة جامعة الملك عبد الله كمحاولة للخروج من نفق البيروقراطية الحكومية وكمحاولة لإيجاد بيئة أكاديمية وإدارية جديدة – على حد قوله. فاللائحة التنظيمية والإدارية التي تتبعها جامعة الملك عبد الله مختلفة وخارج منظومة وزارة التعليم من أجل إيجاد أنموذج مختلف يكون - في حالة نجاحه - مثالا يحتذى به لبقية أجهزة الدولة بما في ذلك الجامعات التقليدية. لذا فإن دعاة استقلال الجامعات عن وزارة التعليم العالي هي دعوة صحيحة على المستوى النظري لكنها دعوة خطيرة لعجز العديد من الجامعات من الانتصار لنفسها وبناء ثقافة مبنية على العدالة في الأحكام ليس فقط في الجوانب الإدارية بل حتى في الجوانب الأكاديمية والعلمية. فبعض الجامعات أصبح بيئة خصبة للشللية الإدارية والقبلية والمناطقية. لذا فإن استقلالية الجامعات ستزيد من مظاهر الفساد الأكاديمي والإداري على حد سواء، على حد قوله. هذا القول يتفق إلى حد بعيد مع ما ذكره الدكتور عبد العزيز الدخيل حول استقلال الجامعات. بل إن الدكتور الدخيل ذهب إلى أبعد من ذلك عندما ذكر أن الجامعة تبقى شبه وزارة حكومية خارج دائرة الإبداع والإنتاج وحرية الفكر، ويبقى العقل الوطني عقلا بيروقراطيا تابعا راكدا. كما أن آلية اختيار القائمين على بعض الكراسي البحثية وآلية تقييم إنتاج ومشاركة واختيار أعضاء هيئة التدريس سواء على المستوى الأكاديمي أو البحث أو خدمة المجتمع تتعرضان لهزات قد تقودهما حتما إلى فقدان الثقة إذا استمرتا على المنوال نفسه. أعود لموضوع هذا المقال وأقول إن توجه مجلس الوزراء الجديد نحو استقطاب الكفاءات من القطاع الخاص فيه دعم للكفاءات البشرية السعودية العاملة في القطاع الخاص كما أن فيه رسالة للشباب، بأن عملهم في القطاع الخاص قد يؤهلهم لمناصب عالية ليس فقط في القطاع الخاص بل حتى على مستوى قيادات الدولة. كما أنها رسالة بأن الدولة لم تعد تنظر لمدخلات الشخص من تأهيل أكاديمي فحسب بل لا بد من خبرة عملية تصقل التأهيل الأكاديمي بالخبرة الإدارية، خصوصا أن الجانب الإداري في الجامعات يفتقر إلى آليات الإبداع والتميز. فمعظم الأكاديميين قد يحسنون في الجوانب التنظيرية ولكن ليس بالضرورة الجوانب التشغيلية أو العملية. لذا نجد العديد من الأكاديميين يغرقون في تحديد المصطلحات والتعريفات دون الخوض في آليات عملية الإصلاح وتطوير العمل بشكل مباشر وهو ما يحتاج إليه المجتمع فعليا. بغض النظر عن طبيعة مؤهلات أعضاء مجلس الوزراء الجديد سواء كانوا أكاديميين أو غير أكاديميين أو من لديهم خبرة في القطاع الحكومي أو غير الحكومي، فالأهم هو مدى فعالية مشاركتهم في خدمة دينهم ومليكهم ووطنهم. فالسعي نحو خدمة الوطن والمساهمة في حل التحديات التي يواجهها المجتمع هما الغاية الأهم والهدف الأسمى الذي يسعى الجميع نحو تحقيقه.
إنشرها