Author

حرب «البرجر» المقبلة

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"أحد أسرار النجاح في الحياة، أنك تأكل ما ترغب في أكله، وتترك الطعام يتصارع في الداخل". مارك توين مؤلف وكاتب أمريكي ساخر راحل مادة هذا المقال قد لا تعجب أولئك الذين يعتبرون أن اللحوم تبقى جزءاً رئيساً في حياة الإنسان الغذائية، بصرف النظر عن الحقائق المعروفة عن اللحوم وتأثيرها في الصحة، وغير ذلك من الإرشادات التي تزداد يوماً بعد يوم باتجاه الدفع للتقليل من تناول اللحوم بشكل عام، والحمراء على وجه التحديد. وقد تبدو هذه الإرشادات والمعلومات عن اللحوم مملة، لأنها ببساطة لا تنقطع، ولا يمل مكرروها عن الإعلان عنها بمناسبة وغير مناسبة. بل إن البعض يعتبرها مثاراً للسخرية، ليس فقط من فرط تكرارها، بل لأنه لا توجد إحصاءات (على سبيل المثال)، حول عدد الذين يموتون بسبب التناول المفرط لمادة اللحوم. هناك بعض الإحصاءات عن تسببها في مشاكل صحية، لكنها لا تسبب الوفاة، مثل تناول جرعة من السكر الزائدة لمصاب بمرض السكر مثلاً. في كل الأحوال المسألة هنا، لا تختص بالأمراض التي قد تنتج عن تناول اللحوم بصورة متواصلة وأحياناً مفرطة، بل تتعلق بسلسلة من الدراسات الإحصائية الحديثة التي أظهرت، أن ما اصطلح على تسميته بـ "البرجر النباتي" أو " اللحوم البديلة"، باتت تنتشر بصورة ملحوظة في المجتمعات الغربية، بمن فيها المجتمع الأمريكي المعروف تاريخياً باستهلاكه المفرط للحم بكل أنواعه. وهذا يعني أن هذه اللحوم ستنتشر قريباً في أماكن عدة من العالم، بما في ذلك بالطبع المنطقة العربية، المعروفة أيضاً بانكباب سكانها على اللحوم، وعدم اتباع أنظمة غذائية أقل ضرراً. وتعتبر الولايات المتحدة مؤشراً مهماً بهذا الخصوص، للسبب المشار إليه، إضافة إلى أنها المصدر الأول لـ "البرجر" بصبغته العالمية المعروفة، فضلاً عن أنها مصدر أيضاً مهم لإنتاج اللحوم بكل أنواعها. ولعل من أهم النقاط التي يمكن ملاحظتها في الأرقام الجديدة حول تنامي استهلاك البرجر النباتي، أن تكلفة إنتاج هذا النوع من "اللحم"، تبقى أقل بكثير من تكلفة إنتاج اللحم الحيواني، ليس فقط من الناحية المالية بل أيضاً من الجهة البيئية. ووفقاً للجهات الأمريكية المختصة، فإن إنتاج 450 جراماً من اللحم البقري يحتاج إلى 6.8 ألف لتر من المياه، وهي كمية تسمح للشخص الواحد بالاستحمام 100 مرة. وإنتاج الكمية نفسها من لحم الدجاج تكلف 1800 ليتر من المياه، في حين يحتاج إنتاج 450 جراماً من الأرز إلى 1700 ليتر مياه، و408 لترات من المياه لإنتاج الكمية نفسها من الذرة، و450 ليتر مياه لـ 450 جراماً من البطاطس. أمام هذه الحقائق، وارتفاع معدلات الوعي الغذائي بشكل عام في غالبية مناطق العالم، وقيام المؤسسات الحكومية بحملات توعية وإرشاد غذائية مختلفة، يرتفع بصورة لافتة أيضاً مستوى الاستثمار في اللحوم البديلة، لتحقيق مجموعة من الأهداف، من بينها توفير خيارات أمام النباتيين الذين يتزايد عددهم، وتقديم مصادر غذاء صحي، بأسعار تنافسية مقارنة بغيره من المصادر الأخرى. ويرى الداعمون لهذا التوجه، أن الاستثمار في اللحوم البديلة، سيخفف هدر الموارد الطبيعية وفي مقدمتها المياه. ورغم كل هذه الحقائق والاستنتاجات والأرقام، فإن الحجم الإجمالي لمبيعات اللحوم البديلة في الولايات المتحدة، لا يزال بحدود 550 مليون دولار. وهو مستوى منخفض، فيما لو قورن بحجم الاقتصاد الأمريكي والمجتمع في البلاد. غير أن التوجهات الراهنة تشير إلى أن حجم المبيعات قد تتجاوز المليار دولار في غضون عامين من الآن، خصوصاً في ظل اعتماد المطاعم المختصة بالبرجر الحيواني التقليدي في الولايات المتحدة، على جانب من البرجر النباتي في بعض وجباتها. بل لا يوجد مطعم برجر تقليدي إلا ويقدم صنفاً نباتياً ضمن قوائم الطعام لديه. بالطبع لا تزال سوق البقوليات في العالم حديثة، خصوصاً أن تحويل البقوليات إلى ما يشبه اللحم من حيث الشكل والطعم، لم يتم إلا بالأمس القريب، يضاف إلى ذلك أن المسألة تحتاج أيضاً إلى تفعيل الحراك التسويقي اجتماعياً واقتصادياً وصحياً. إن الأمر ببساطة يختص بتطوير ثقافة محدودة الانتشار، وجعلها أكثر انتشاراً في المرحلة المقبلة. واللافت أن عدد الشركات التي أقدمت على الاستثمار في اللحوم البديلة والألبان البديلة يرتفع، خصوصاً تلك التي لا تزال في المرحلة الناشئة. فمثل هذه القطاعات تستقطب دائماً المؤسسات الناشئة أكثر من تلك القائمة فعلاً وتسيطر على حصة كبيرة منذ زمن في السوق. لكن من تنامي الإقبال على اللحم الجديد، ستتقدم الشركات الكبرى لتأخذ نصيبها من هذا القطاع، وسترتفع حدة المنافسة لمصلحة المستهلكين الحاليين لهذا النوع من اللحوم وأولئك الذين سينضمون لاحقاً إليهم، ولا سيما إذا ما عرفنا، أن الحكومات في البلدان الراشدة، تتجه إلى فرض ضرائب على الطعام غير صحي، بصرف النظر عن لذته ومتعة تناوله. بل هناك توجهات لفرض هذه الضرائب على البرجر التقليدي الذي يعتبر من وجهة نظر مؤسسات الصحة، خطيراً على الصحة.
إنشرها