Author

أزمة اللاجئين مع أزمة زعامات

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"القائد هو الشخص الذي يعرف الطريق، ويسير في الطريق، ويدل على الطريق" جون ماكسويل - كاتب ومؤلف أمريكي في أوروبا أزمة زعامات تضاف إلى الأزمات التي يعيشها البشر، سواء تلك التي ظهرت بأيديهم أو رغما عنهم. وأوروبا مهما ضعف دورها العالمي في أعقاب الحرب العالمية الثانية، تبقى مركزا محوريا في صنع القرار العالمي، وفي أسوأ الأحوال في توجيه عملية صنع القرار. لنترك الكارثة السورية جانبا، التي أثبتت أن العالم لا يريد لها أن تنتهي، قبل أن تمحو ما أمكن من السوريين، بفعل وجود نظام سفاح مغتصب لبلاد لا تحق له حتى المواطنة فيها. الذي يقتل الأبرياء لا يستحق جائزة الانتماء الوطني، في أي بلد كان. لنترك هذه الكارثة جانبا، ولننظر إلى آثارها المباشرة على الساحة العالمية، وهي آثار لم يكن توقعها بحاجة إلى خبير أو مختص. بل كان سفاح سورية بشار الأسد نفسه، أعلن في بداية الثورة الشعبية العارمة ضده، أنه سيجعل من العالم ساحة للفوضى. وقد صدق. أثبتت أوروبا أنها تفتقر إلى زعامات سياسية يمكن الوثوق بها أو الركون إليها في المسائل الكبرى الخطيرة. في المرة الأولى أخفقت أمام الفشل السياسي الأمريكي على الساحة الدولية، وانضمت إليه. وفي المرة الثانية، أظهرت، أنها تقاد من قبل مسؤولين أقرب إلى "الرديحة" منهم إلى سياسيين من الطراز الأول أو الثاني. الناس في أوروبا نفسها، انخرطوا في مقارنات عبثية بين قادة أوروبا اليوم، وأولئك الذين مروا إليها بالأمس، ويصلون دائما إلى الحقيقة نفسها التي تتخلص في أن سياسيي الأمس كانوا زعماء وقادة، وسياسيي اليوم ليسوا إلا مجرد موظفين يحاولون الصمود في الحكم أطول فترة، بأقل الأضرار الممكنة. هكذا يفعل الرئيس باراك أوباما أيضا على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي. وسط مسؤولي أوروبا الأقزام، ظهرت فوقهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، على جبهة اللاجئين الفارين من بلدان، كان بإمكان أوروبا والولايات المتحدة أن تبقيهم في بلدانهم، فيما لو أقدمت بالفعل على حلول جذرية لمشكلاتها. الأزمات نفسها تصنع القادة والزعماء، هذا ما حدث في التاريخ على أكثر من صعيد، والمستشارة الألمانية، برزت زعيمة حقيقية، ليس فقط لأنها أعلنت رسميا ودون خوف على شعبيتها المحلية، أن أبواب ألمانيا مفتوحة للاجئين المستجيرين بها، بل لأنها تجاوزت قادة دول يفترض أن يكونوا في المقدمة في مثل هذه الظروف كديفيد كاميرون في بريطانيا وفرانسوا أولاند في فرنسا. لا دخل للذنب الألماني التاريخي في مسألة الترحيب باللاجئين، هذه دعاية معروفة المصدر دائما، ولكن ميركل لم تجد في الواقع قائدا وسط هؤلاء "القادة" يتقدم خطوة إلى الأمام في أزمة إنسانية، وصفت بأنها الأعمق والأخطر منذ الحرب العالمية الثانية. أزمة المهاجرين التي تعيشها أوروبا، تحدد شكل القارة العجوز على المدى البعيد. هذا ما رأته المستشارة الألمانية بالفعل، في وجود بقية القادة "دون استثناء". إنها أزمة عابرة ستنتهي بصورة أو بأخرى في أعقاب انتهاء الأزمات المسببة لها. ولكن مهلا، هل هذه الأزمات قابلة للانتهاء آجلا، دون تحرك ومواقف عملية من جانب بلدان يفترض أنها محورية في صنع القرار العالمي؟! لا لن تنتهي بالتمنيات، أو الترقب والانتظار، بل بالعمل ومواجهة الحقيقة، وعدم الخوف على المصالح الحزبية المحلية، لأن مخاطر الأزمات المشار إليها تهدد الأمن القومي لأوروبا نفسها. إضافة طبعا، إلى منع حكومات مارقة "روسيا وإيران وحتى فنزويلا وكوريا الشمالية"، باتجاه زمام المبادرة، ليس للإصلاح وحل الأزمات، بل للتخريب ونشر الفوضى. كانت المحاصصة التي ظهرت في اجتماعات القمة الأوروبية الأخيرة حول عدد اللاجئين إلى القارة مشينة. ولا شك في أن بلدانا لا تزال هي نفسها تشكل عالة اقتصادية على أوروبا، كالمجر وكرواتيا وصربيا ومقدونيا وغيرها، تسيدت بعضا من الموقف في الآونة الأخيرة، على اعتبار أنها تحمي حدود القارة من تدفق اللاجئين، غير أن الموقف الألماني المتمثل بميركل، كشف كم أن القادة الذين يفترض أنهم من عداد الكبار، أقزام، دون أن نذكر بالطبع قادة دول أوروبا الشرقية، الذين لم يخرجوا بعد من ثقافة وذهنية المحروم التي اكتسبوها طوال عقود تحت الحكم الشيوعي. ألمانيا برزت إنسانية سخية مرنة مفتوحة، ليس لأنها بلد غني، بل لكونها فهمت الآثار المستقبلية لموجات المهاجرين واللاجئين المتدفقة نحو أورو با. فهمت أيضا، أن هناك واجبا أخلاقيا، حاول كثير من القادة تجاهله تحت رعب الشعبية الحزبية. أزمة اللاجئين الراهنة تمثل درسا تاريخيا عميقا على الساحة العالمية. لن يتوقف هذا الدرس مع جرس النهاية، بل ستظهر آثاره على الساحة السياسية الأوروبية على مدى سنوات قادمة، وهي آثار عبارة عن عملية فرز بين السياسي الموظف الذي أنهى فترته ومضى، والسياسي القائد. هذا الأخير سيبقى في التاريخ. أما الأول لن يخرج منه، ولكن لن يتم العثور على من يذكره، إلا من جهة الفشل والضعف، والبلاهة في قراءة المستقبل.
إنشرها