Author

الزعيم الحالم يدمر حزبا أيضا

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"على جيرمي كوربن أن يمثل كل حزب العمال، وليس نفسه أو مؤيديه فقط" جوناثان فريدلاند - كاتب صحافي بريطاني لو كنت من مؤيدي حزب المحافظين البريطاني الحاكم، لخرجت من الحزب فورا، وانضممت إلى ناخبي جيرمي كوربن زعيما لحزب العمال المعارض. ليس حبا في هذا الأخير أو في حزب العمال، بل لضمان استمرار المحافظين في الحكم، طالما ظل كوربن باقيا على رأس حزبه. إنه بوصوله إلى زعامة حزب العمال، قدم خدمة انتخابية تاريخية لخصمه ديفيد كاميرون. فما على هذا الأخير إلا أن يتراخى، ويعيش حياة سياسية هانئة لم يحلم بها أصلا، ويزاول عمله تاركا كوربن وأنصاره يحطمون أنفسهم وحزبهم. من أسوأ الأشياء، أن يكون أمامك خصم يعرف الواقع جيدا، ويعمل على أساسه، لا على أساس النظريات والتمنيات والشعارات. وكوربن الذي أتى لزعامة حزبه وسط ذهول حتى مؤيديه، يعرف الواقع تماما، لكنه لا يتعاطى معه كما هو، إلا بالعمل القائم على التمنيات، أكثر من الأدوات. كوربن اليساري المتطرف حصل على أكثر من 59 في المائة من أصوات ناخبيه. زعيم العمال تجاوز بفجوات واسعة من حيث الأصوات، كل من نزل أمامه في هذه الانتخابات. النتيجة كانت مروعة للحزب، ليس فقط لأن كوربن سيعيد أجندة زعماء العمال الراديكاليين السابقين، الذي فشلوا بالفوز في انتخابات عامة واحدة، بل لأن نواب الحزب في مجلس العموم يعارضونه، وهذه وحدها كارثة يومية بالنسبة للعمال، و"هدية" دائمة للمحافظين، الذين حققوا في الانتخابات العامة الماضية انتصارا ليس كبيرا، ولكنه يضمن لهم الحكم بمفردهم، دافعين إلى الخارج الحزب الديمقراطي الليبرالي الذي حكم معهم في الدورة الانتخابية السابقة. هناك اختلافات تتم داخل كل الأحزاب، لكنها لا تصل إلى ساحة مجلس العموم إلا ما ندر. ولا شك في أن جيرمي كوربن استفاد من تعديل انتخابي أدخله حزب العمال على نفسه، واكتشف الحزب بعد ذلك أنه سلاح ذو حدين. والتعديل يسمح لأي بريطاني يدفع ثلاثة جنيهات استرلينية دعما للحزب بانتخاب زعيمه. وهذا يفسح المجال حتى لأولئك الذين لا يحبون حزب العمال بالمطلق، للتسجيل وانتخاب من يعتقدون أنه كفيل بتدمير الحزب، وإزالة ما تبقى من نفوذه على الساحة السياسية، أو إضعافها قدر المستطاع. من هنا يمكن فهم تحذير بعض مسؤولي حزب العمال من أن مؤيديه المحافظين قد يستغلون هذه الثغرة الإجرائية، وينتخبون المرشح الذي لا يمكن لأحد أن يتوقع أنه بإمكانه الفوز في الانتخابات العامة المقبلة. وأحسب أن كوربن نفسه لا يتوقع ذلك على الإطلاق. وهذا يعني، أنه لا أمل للعمال بالفوز في الانتخابات العامة التي ستجري في 2020. القضية أيضا ليست هنا، بل في أن ينقسم حزب العمال على نفسه، وهذا جل ما يتمناه المحافظون الذين لا يسيطرون بأغلبية ساحقة في مجلس العموم. ولذلك لن يكون صادما، قيام نواب من العمال بالتصويت لمصلحة مشاريع يقدمها حزب المحافظين في المجلس، أو في أحسن الأحوال، أن يرموا أوراقا بيضاء في الصناديق، وكلها تصب في مصلحة الحزب الحاكم. لنضع توني بلير جانبا، هذا السياسي الذي تمكن فعلا من جعل حزب العمال حزبا قادرا على الحكم والقيادة، ليس مرة واحدة، بل عدة مرات. بلير قال بوضوح، إن وصول كوربن إلى الزعامة كارثة. لنتركه جانبا، خصوصا بعد أن تلقى التيار "البليري" في الحزب أكثر من ضربة في أعقاب خروج الأخير من السلطة. لكن هناك معتدلون ليسوا من تيار بلير، لهم الرؤية نفسها حيال كوربن الراديكالي الحالم. يحلم كوربن بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، من خلال تأميم المؤسسات التي خضعت للخصخصة، والانسحاب من السياسة الدولية على مبدأ العمل من أجل السلام، حتى مع أنظمة مجرمة، كنظام سفاح سورية. إنها مبادئ الراديكالي الحالم بعالم أفضل "وفق رؤيته"، ولكن لا يستند إلى الحقائق الموجودة على الأرض. كل الأحزاب تنادي وتعمل من أجل العدالة الاجتماعية، بعضها يخفق وبعضها الآخر يحقق نجاحات كبيرة. الاقتصاد الذي يحلم به كوربن وسيعمل من أجله، أثبت فشله على مدى قرون، إلى درجة أنك لا ترى بلدا راشدا يعمل به. لو أنه التزم بالمعايير الاقتصادية الأخلاقية التي وضعها توني بلير، لكان كوربن الآن زعيما مقبولا من كل أعضاء وأركان حزبه. وهي معايير دفعت حتى الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلنتون إلى التحدث علنا عن إعجابه بها، وقدرتها على المواءمة بين رأسمالية جشعة، وعدالة اجتماعية مستحقة. ليس مهما عدم قيام جيرمي كوربين بترديد النشيد الوطني في إحدى المناسبات الكبرى التي شارك فيها كزعيم لحزب العمال. إنها مسألة بروتوكولية رغم ما تركته من سلبية على مشاعر شريحة ليست صغيرة من حزب العمال نفسه. المهم، هل يمكن لكوربن أن يجعل من حزبه حزبا قابلا للانتخابات في الانتخابات العامة المقبلة؟ الجواب ببساطة سيكون بالنفي. هذا يعني، أن أمام العمال عشر سنوات على الأقل لكي يطرحوا أنفسهم جديا حزبا يستحق الانتخاب.
إنشرها