Author

الاستثمار باللاجئين

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"ألمانيا تستطيع تدبير أمر اللاجئين دون زيادة الضرائب" أنجيلا ميركل مستشارة ألمانيا لن تلتفت أي حكومة أوروبية إلى عرض رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، الذي أطلقه، والذي ينص على شراء جزر في البحر المتوسط من أجل إسكان اللاجئين الهاربين من ويلات الحروب في بلادهم. فهو يرى أن هناك عديدا من الجزر المهجورة أو غير المأهولة في هذا البحر، ويمكن أن تتحول إلى مناطق يعيش عليها اللاجئون الذين يسعون للوصول إلى بلدان أوروبا، لاسيما تلك التي تتمتع بنظام لجوء أكثر إنسانية، وأعلى مستوى من حيث القيمة المعيشية. ومع تحول البحر المتوسط إلى مقبرة لللاجئين الهاربين باتجاه أوروبا، تظهر المواقف وفي سياقها العروض التي لا يمكن أن تكون بعيدة عن مآربها الاقتصادية الاستثمارية. فرجل الأعمال ليس جمعية خيرية، ولا منظمة غير ربحية. إنه يعمل من أجل الكسب المالي. ولا بأس إذا كان هذا الكسب متماشيا مع حالة إنسانية متفاعلة. لا تشكيك في نيات ساويرس وغيره من أولئك الذي يقدمون "العروض" لإنقاذ اللاجئين أو على الأقل للتخفيف من وطأة معاناتهم إلى حين الوصول إلى بلد المقصد، أو إلى نهاية أكثر إنسانية. لكن لا بد من التأكيد في الوقت نفسه على أن مثل هذا الأمر ينبغي أن يبقى في أيدي الحكومات مباشرة، ومعها المنظمات المدنية وتلك التي تدخل ضمن قائمة غير الحكومية. فإذا فشلت هذه الحكومات في وقف المصائب والمآسي في بلدان اللاجئين الأصلية، فإنها بالتأكيد يمكنها أن تنجح على صعيد الاحتضان الإنساني لهم، على الأقل في الفترة التي بلغت فيها الأوضاع في بلدانهم حداً لا يمكن تحمله. والدور الغربي على وجه الخصوص على صعيد حماية اللاجئين وتوفير الحياة الكريمة لهم، يشكل أهمية كبيرة، ليس من الناحية الجغرافية وطبيعتها، بل من الناحية الأخلاقية أيضا. هناك كثير من السياسيين الذي أعلنوا ترحيبهم باللاجئين القادمين من الشرق الأوسط. وهناك بالطبع سياسيون لا يرون العالم إلا من زاوية ضيقة جدا لا تتسع إلا لهم! كما أن منظمات المجتمع المدني في القارة الأوروبية أثبتت بالفعل أهميتها وصدقها وأظهرت أخلاقياتها المعهودة في الدفاع عن اللاجئين، وفي قيادة الحوار مع الجهات المتطرفة المناوئة للاجئين والمهاجرين بشكل عام. وأمام هذا الواقع فإن المسألة برمتها أكبر بكثير من أن تترك في أيدي مؤسسات أو شركات أو رجال أعمال. لأن الأخلاقيات والثوابت قد تتصادم هنا مع مصالح المستثمرين بصرف النظر عن نيات هؤلاء المستثمرين، وهي (كما افترضنا) سليمة وإيجابية. وقد يشتري المال بالفعل جزيرة أو مكانا آمنا، ولكنه لن يوفر الحاجة الإنسانية العاطفية للساكنين المزمعين. لا أحد يعرف متى ستنتهي المآسي في عدد من بلدان المنطقة، ولا يبدو أن قرارا دوليا حازما وحاسما يمكن أن يسرع نهاية هذه المآسي. الأمر الذي يطرح مخططات أكثر استدامة بالنسبة للاجئين الذين يصلون إلى البلدان الآمنة. هناك بعض البلدان (منها ألمانيا) أعلنت بالفعل أنها بحاجة إلى موارد بشرية مختلفة، وأن نسبة من اللاجئين القادمين إليها، يمكن أن تسد جزءا من احتياجاتها في هذا المجال. وغالبية البلدان الأوروبية، قادرة على إدارة تنمية الموارد البشرية بسرعة وضمن برامج متطورة. ومن هنا، يمكن اعتبار أن اللاجئين الهاربين من نيران الحروب، هم استثمار حقيقي للبلدان التي وصلوا إليها لاجئين. ورغم أنهم بلا فرص وطنية أساسا، لأن الوطن نفسه في مهب الريح، فإن الفرص ستتوافر أمامهم في بلدان اللجوء. لا شك في أن نسبة لا بأس بها من اللاجئين ستستغل أزمة وبرامج اللجوء دون أن تنمي قدراتها الذاتية أو تتعلم مما هو مطروح عليها. لكن في المجتمعات الراشدة، والأوروبية على رأسها بالطبع، لا تحاسب الفئة الكبيرة على أخطاء وخروقات ومخالفات فئة صغيرة. هناك لاجئون لا يستحقون بالفعل هذه الصفة، لأنهم استغلوا الحالة الراهنة، رغم أن بإمكانهم أن يكونوا عونا لللاجئين أنفسهم. لكن الأهم من هذا كله، أن بعض البلدان الغربية توفر التعليم والتدريب والتمرين للاجئين المقيمين بشكل قانوني فيها، الأمر الذي قد يساعد بلدانهم الأصلية في وقت لاحق في مسيرة إعادة البناء والتنمية. إنه بالفعل استثمار طويل الأمد ومتعدد الفوائد والمنافع. لا توجد قيود في هذا المجال. المهم أن يكون اللاجئ مؤهلا للتعليم والتدريب. لقد بدأت دول مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا بالفعل حملة ضد المهاجرين الذي يأتون إليها بدافع اقتصادي وليس إنسانيا. أي أنهم يعيشون على حساب المؤسسات الحكومية المحلية المانحة. مثل هذا النوع من المهاجرين يقتنص حق غيره من اللاجئين أو المهاجرين الشرعيين. ويبدو واضحا، أن بلدان أوروبا تتجه نحو سياسة مشتركة فيما يرتبط باللجوء والهجرة، ولولا الكوارث التي تعيشيها بعض بلدان المنطقة العربية حاليا، لبقيت القوانين الأوروبية على ما هي عليه، واستمرت الاتهامات المتبادلة، من يأخذ أكثر من المهاجرين واللاجئين، ومن يأخذ أقل.
إنشرها