Author

دعم اللاجئين أرخص من دعم ثورة

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"لا أحد يترك منزله، إلا إذا كان المنزل في فم حوت" ورسان شير ـــ شاعرة صومالية بريطانية أصبح باراك أوباما "مستشارا" من جانب واحد لأوروبا، على صعيد تدفق اللاجئين الهائل إلى القارة الأوروبية في الأشهر القليلة الماضية، والمآسي والمخاطر التي يتعرضون لها، إضافة طبعا إلى أولئك الذين قضوا إما غرقا وإما اختناقا أو بردا. وفي الواقع أوروبا لم تطلب من رئيس الولايات المتحدة خدماته الاستشارية هذه، لكنه أقحم نفسه فيها، في محاولة فاضحة أخرى للتغطية على الفشل المروع الذي تسببت به إدارته في الشرق الأوسط، طوال السنوات التي حل فيها رئيسا في البيت الأبيض. فهذا الرئيس الذي يوصف بأنه بلا مشاعر، وبأنه يستطيع تحمل الإهانات الشخصية حتى من موظفين لديه، عطل الكثير من الخطوات والتحركات العالمية الأخرى، لحسم مبكر للأزمات المولدة لـ "إنتاج" اللاجئين، وفي مقدمتها بالطبع الأزمة السورية، التي أرادها مخلوق كأوباما تجري وفق أجندة سفاح سورية بشار الأسد، وهي أجندة ليست سرية بل معلنة. هذا الأخير كان واضحا حقا منذ البداية، حين أعلن للعالم أجمع، إما أن يبقى حاكما (حتى بلا شرعية) أو أنه سينشر الفوضى في كل أرجاء المنطقة، وأن هذه الفوضى ستطول أوروبا وغيرها من مناطق العالم الأخرى. وهذا ما حدث بالفعل. ببساطة يمكن القول، إن العالم يسير الآن وفق أجندة سفاح، وهذا العالم أكثر المتضررين من هذه الأجندة. والمصيبة الناجمة عنها لا يبدو أنها ستتوقف في المستقبل المنظور، بل على العكس تماما. فإلى جانب الخراب التاريخي الهائل الذي أصاب سورية، والمخاطر، التي تعم المنطقة، تنتج أجندة بشار الأسد كل يوم مئات الآلاف من اللاجئين والنازحين. ويعتبر هذا النظام الفاشي أن مسألة اللاجئين ليست سوى سلاح آخر في يده، يمكن أن يضغط من خلاله على عواصم صنع القرار العالمي، هذا إن وجد القرار العالمي حقا. أنتج الأسد أكبر عدد من اللاجئين منذ الحرب العالمية الثانية. حتى اللاجئين الذين أوجدتهم حروب البلقان في القرن الماضي، لم تنتج هذا العدد. ومع ظهور التنظيمات الإرهابية المدعومة الممولة أساسا من الأسد، بات الأمر صناعة يومية حقا. فإضافة إلى مخططات التطهير الطائفي التي يتبعها سفاح سورية وعصاباته، هناك أعداد كبيرة من السوريين والعراقيين على وجه الخصوص، تخشى البقاء حتى في المناطق الحدودية الأكثر أمنا من المناطق الداخلية. فانضمت إلى قوافل اللاجئين الهائلة المتجهة إلى أوروبا. لكن هذا لا يعني الخلاص، ولا الوصول إلى نهايات سريعة لمصاعب وآلام ومشاكل اللجوء باتجاه القارة الأوروبية. ليس آمنا من هؤلاء، إلا من يمكنه الحصول على تأشيرة شرعية لأوروبا. وغير ذلك لا شيء مضمون، إلى أن يتم الوصول لمقصد محدد بعينه. أوروبا لا تحتاج إلى باراك أوباما كـ "مستشار" لشؤون اللاجئين. كانت تحتاج إليه قبل أربع سنوات على الأقل، لوضع حد سريع لنظام فاشي إجرامي يحكم سورية منذ أكثر من 45 عاما، وينشر التوتر والتهديدات والمخاطر في أرجاء المنطقة. تستطيع أوروبا تدبر أمرها في مسألة اللاجئين. ويبدو واضحا، أن دعم اللاجئين واستيعاب الأعداد الهائلة منهم في دول مختلفة، أرخص بكثير من دعم ثورة سورية محقة كانت تسعى فقط إلى التخلص من نظام لا يهدد السوريين فحسب، بل المنطقة والعالم أجمع. والمثير للسخرية أن النصائح التي قدمتها واشنطن لشركائها الأوروبيين، تختصر في واحدة فقط، وهي "انقضوا على مهربي البشر"! لم يقل أوباما وموظفوه، إنه ما كان لهؤلاء المهربين من وجود، إذا ما تم حسم الأزمات التي تصنع الأعداد الهائلة من اللاجئين والنازحين والمشردين. والحسم الناجع، هو ذاك الذي ينفذ بتعاون دولي وإقليمي. في كل الأحوال، لا معنى للنصائح الأمريكية، علما بأن اللاجئين الذين يستطيعون الوصول إلى الولايات المتحدة بطريقة أو أخرى، يواجهون بؤسا شديدا هناك، على عكس أولئك الذين ينجحون في الوصول إلى بلدان أوروبية مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا، وحتى إيطاليا. صحيح أن بلدان الاتحاد الأوروبي المحورية، دخلت في موجة من "الردح" السياسي في الآونة الأخيرة بسبب اللاجئين، وحول حجم الحصص لكل بلد في هذا الاتحاد، لكن الصحيح أيضا، أن المآسي التي يتعرض لها اللاجئون للوصول إلى بلدان المقصد، دفعت بقادة الاتحاد الأوروبي "الرادحين" إلى التخلي عن ردحهم، ومواجهة مسؤولياتهم الإنسانية، بل الرسمية التي يكفلها القانون الدولي. لقد ثبت أن أحدا من البلدان الأوروبية لم يأخذ أكثر من حصته من اللاجئين. لكن المسألة لا تحسب هكذا. فمسؤوليات الكبيرة تكون كبيرة بالضرورة، وإلا عليه ألا يدعي ذلك على الإطلاق. لا يعقل أن تتساوى (مثلا) حصة اليونان أو إيطاليا، بحصة ألمانيا أو بريطانيا أو فرنسا. غير أن الحل الأمثل في النهاية، ليس حسن توزيع اللاجئين على البلدان وفق حصة كل بلد، بل بحل الأزمات من جذورها، والقضاء على منبعها. الأمر لم يعد سهلا، ولكنه قابل للتنفيذ بنجاح، إذا ما كانت هناك إرادة دولية حقيقية، لا صوتية ولا إعلامية فقط.
إنشرها