Author

التيسير الكمي وأسواق المال

|
مرت الأسواق المالية العالمية بمرحلة صعود لعدة سنوات. وتوقع عديد من المختصين حدوث تصحيح في الأسواق المالية العالمية منذ أيار (مايو) الماضي. وتعد سياسة التيسير الكمي الأمريكي من أكبر مسببات صعود الأسواق المالية في السنوات الماضية. وتتلخص سياسة التيسير الكمي بشراء مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي كميات كبيرة من السندات الحكومية، وسندات الرهن العقاري طويلة الأجل. وخفضت مشتريات السندات التي قام بها المجلس من عرض هذه السندات للمشترين من القطاع الخاص، ورفعت الطلب عليها، وضغطت على عوائدها. وقد نتج عن هذه السياسة ضخ كميات هائلة من السيولة حول العالم تبحث عن عوائد مجزية ولو بدرجة مخاطر أكبر. وتدفق جزء كبير من السيولة إلى أسواق المال بحثا عن الأرباح والنمو. وحظيت أسواق المال في الدول الصاعدة بقسط كبير من التدفقات، ودعم هذه التدفقات الأساسيات الجاذبة للاستثمار في الدول الصاعدة مثل الهند والصين والبرازيل وروسيا وتركيا وإندونيسيا. كما مكنت تلك السياسة من خفض معدلات الفائدة طويلة الأجل، وانخفضت تكاليف التمويل على المستثمرين، مما رفع تدفق السيولة إلى أسواق الأسهم بشكل عام ورفع أسواق مال الدول الصاعدة بقوة في البداية، ثم في الدول المتقدمة. وقد أدى هذا إلى قبول المستثمرين بمعدلات عوائد أقل للاستثمار في أسواق الأسهم، وارتفعت أسعار الأسهم العالمية وخصوصا في الدول الصاعدة. وتسببت التدفقات الرأسمالية إلى الدول الصاعدة أيضا في رفع معدلات صرف عملات هذه البلدان، فعلى سبيل المثال ارتفع معدل صرف الريال البرازيلي بنحو 50 في المائة خلال سنة من بداية سياسة التيسير الكمي. وكان التأثير في البداية جيدا على الدول الصاعدة، حيث رفعت الاستثمارات من معدلات التبادل التجاري، وارتفعت الثقة في اقتصادات هذه الدول، مما حفز مزيدا من نموها لعدة سنوات وساعدها على رفع أسعار عملاتها. وكان كثير من المختصين يعتقد أن التوقف عن سياسات التسير الكمي والعودة إلى السياسات النقدية التقليدية سيتسبب في إحداث اضطرابات في أسواق الأسهم. ووجهوا النصيحة إلى الدول الصاعدة بضرورة تقوية السياسات الاقتصادية الكلية، وتعميق الأنظمة المالية لهذه الدول، كي تتمكن من التكيف مع تغير السياسات النقدية العالمية والتدخل بفاعلية عند تدفق رؤوس الأموال إلى الخارج وجلب الاستقرار للأسواق المالية. وقد عززت الفروقات المعتبرة بين الاقتصادات الصاعدة والمتقدمة في معدلات الفائدة والنمو من تدفق رؤوس الأموال إلى الدول الصاعدة، ونتج عنها تدفقات ضخمة بعد الأزمة المالية العالمية في نهاية 2008 وبداية 2009. وكانت الأزمة المالية العالمية قد تسببت في تدفقات ضخمة من الأسواق الصاعدة إلى الدول المتقدمة، ولكن عادت رؤوس الأموال للتدفق للدول الصاعدة بعد الشروع في سياسات التيسير الكمي. وقد نتج عن سياسات التيسير الكمي تعزيز النمو الاقتصادي الأمريكي، مما رفع الطلب على صادرات الدول الصاعدة ورفع معدلات نموها الاقتصادي. وقد أثرت سياسات التيسير الكمي بدرجة أكبر على الدول التي تتمتع بمعدلات صرف مرنة وأسواق مال مفتوحة للتدفقات الأجنبية مثل البرازيل. وقد أدت هذه التدفقات إلى ضغوط كبيرة على معدلات صرف عملات الدول الصاعدة كما أسهمت في صناعة فقاعات أسهم في هذه الدول. وتشير المؤشرات إلى أن التوقف عن سياسات التيسير الكمي تسبب في خفض تدفقات رؤوس الأموال إلى الدول الصاعدة، وخفض معدلات صرف عملاتها. ويتوقف مقدار التراجع في المؤشرات المالية على رشادة سياسات كل دولة، ومتانة أساسياتها الاقتصادية، وعمق نظامها المالي. وقد تراجعت مؤشرات الأسواق المالية في عدد من الدول الصاعدة، كما تراجعت معدلات صرف عملاتها، وتعد البرازيل من أبرز الدول التي تراجعت فيها معدلات صرفها بنحو 50 في المائة خلال الفترة الأخيرة. ويعتقد أن تدفقات رؤوس الأموال العائدة للأسواق المالية في الدول المتقدمة بعد إعلان توقف سياسة التيسير الكمي تسببت في انتكاسة كثير من أسواق المال في الدول الصاعدة، وعودة سيولة إضافية إلى أسواق الدول المتقدمة. وقد قادت تلميحات مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع معدلات الفائدة إلى اضطراب في الأسواق المالية في الدول المتقدمة والنامية. وقد أعلن مجلس الاحتياطي الفيدرالي أنه لن يرفع الفائدة في اجتماعه المقبل. وقد هدأ هذا من الأسواق بعض الشيء ولكنه لم يلغ توقعها برفع الفائدة مستقبلا. وقد تعاني الأسواق المالية بعض التقلبات لحين تسعير تكاليف رفع أسعار الفائدة على الأسواق المالية، وتوقع خفض مديونية المستثمرين والشركات الذين تمكنوا من الحصول على الائتمان بتكاليف منخفضة.
إنشرها