Author

هل من أزمة مالية قادمة؟

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية
لم يفق العالم اليوم من الأزمة المالية التي بدأت من الولايات المتحدة في عام 2008 بسبب أزمة الرهن العقاري، التي ما زالت آثارها قائمة خصوصا في بعض الدول الأوروبية، إلا وبدأ يساوره القلق من نشأة أزمة جديدة، ولكن هذه المرة من أقصى الشرق وتحديدا في الصين، التي حققت خلال الأعوام الماضية قفزات في حجم النمو مكنتها من تبوّؤ المركز الثاني عالميا في حجم الناتج القومي بعد الولايات المتحدة، بعد تحقيق معدلات نمو متواصلة تفوقت به على حجم الناتج القومي لليابان التي حلت ثالثا بعد أن كانت في المركز الثاني لفترة ليست بالقصيرة. هذا النمو الكبير عزز من مكانة الاقتصاد الصيني الذي مكنته من استقطاب الكثير من الاستثمارات العالمية وجعل منها أحد الخيارات الأفضل لكثير من المستثمرين حول العالم، ونما الاقتصاد الصيني بصورة كبيرة خلال الفترة الماضية. اتخذت الصين مجموعة من الإجراءات التي أثارت قلق كثير من المستثمرين ومن ذلك تخفيض سعر اليوان الصيني مقابل الدولار أكثر من مرة مما أدى إلى انهيار السوق المالية بالصين بصورة لم تتمكن الحكومة بعده من ضبط السوق، وهذا الإجراء لا يمكن أن يؤخذ بصورة سطحية بأنه بسبب انخفاض في أسعار عملات أخرى مما أدى إلى تنافسية تلك الدول في مقابل الصناعات الصينية وإن كان الأمر ليس خطأ، ولكن لو كان الأمر كذلك لأدى ذلك إلى انخفاض السوق المالية قبل ذلك ولأدى إلى احتمال ارتفاع الأسواق لأنه في هذه الحالة فإن العوائد قد تنمو بصورة أفضل لاحتمال زيادة الصادرات ومن ثم العوائد، وقد يحسن ذلك من الميزان التجاري للصين مع الدول الأخرى بسبب انخفاض العملة وزيادة تنافسية المنتج الصيني محليا. لكن يظهر أن المسألة أعمق، حيث إن الإجراء الذي يمكن أن يكون غير متوقع في بعض الأوساط المالية وأعطى مؤشرات غير إيجابية عن الاقتصاد الصيني، وبالتالي سيكون لذلك أثر على المستوى العالمي، ولذلك لم يقف الأثر على الأسواق المالية في الصين أو آسيا التي تعتبر أكثر ارتباطا بالاقتصاد الصيني، ولكن الأثر تجاوز إلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وقد يسود هذا التأثير على اقتصادات أخرى خصوصا ما يسمى الاقتصادات الناشئة التي قد تشعل الصين شرارة تأثرها اقتصاديا خلال الفترة القادمة، حيث حققت هذه المنظومة نموا كبيرا خلال الفترة التي كانت اقتصادات الدول المتقدمة تعاني آثار أزمة الرهن العقاري، والآن وبعد تحسن الاقتصاد الأمريكي بصورة يرى البعض أنه بدأ بالتعافي ومن المحتمل أن ينعكس ذلك على إجراءات يتخذها مجلس الاحتياطي الفيدرالي برفع سعر الفائدة قريبا، فقد يكون ذلك مؤشرا على تحول بوصلة النمو والاستثمار إلى الغرب بدلا من الشرق، حيث إن رفع الفائدة بصورة متدرجة مستقبلا قد يعزز من تدفق الأموال على الاقتصاد الأمريكي؛ وهذا ما قد يفسر الارتفاعات التي حققها الدولار، ورغم أن الأسواق المالية في الولايات المتحدة تأثرت خلال الفترة الماضية إلا أن بعض مؤشرات الأسواق المالية الأمريكية التي حققت أرقاما قياسية، والهبوط الحاصل بها اليوم قد يكون مؤقتا أو قد يكون تصحيحا منطقيا لذلك الارتفاع أو بفعل ارتباط بعض الشركات بالاقتصاد الصيني، والبعض الآخر منها بفعل الانخفاضات في أسعار النفط. والمهم هنا هو كيف يمكن للشركات الوطنية خصوصا في قطاع البتروكيماويات التي أصبحت تعتمد بصورة كبيرة على السوق الصينية والأسواق الناشئة الأخرى - مثل الهند - أن تكون لها خيارات أخرى في حال تأثرت هذه الأسواق خصوصا أن الاقتصاد في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية أصبح يتحسن بصورة أكبر من ذي قبل، وقد تكون فيه فرص جيدة لتعويض احتمالات انخفاض النمو في الاقتصاد الصيني واقتصادات الدول الناشئة الأخرى، مع الأخذ في الاعتبار أن الدول المتقدمة اليوم أصبحت تعتني أكثر بكفاءة وتطوير أدوات الإنتاج، التي يبدو أنها تعتبر أقل في حالة اقتصادات الدول الناشئة التي قد تستعمل الطرق التقليدية بصورة أكبر في الإنتاج، وذلك بسبب انخفاض تكلفة الأيدي العاملة. فالخلاصة أن ما حدث في السوق المالية الصينية قد يكون مؤشرا على أن النظرة إلى الاقتصاد الصيني قد تغيرت أخيرا، وأن البوصلة قد تتجه إلى الغرب خصوصا الولايات المتحدة التي تشعر حاليا بأنها في وضع أفضل من عام 2008 الذي كان بداية للأزمة المالية العالمية، وبالتالي فإنه من المهم العناية بالخيارات الأخرى للشركات الوطنية خصوصا في قطاع البتروكيماويات فيما لو تأكد تباطؤ الاقتصاد الصيني بصورة أكبر من المتوقع.
إنشرها