Author

الجامعات الأهلية والتعليم .. والاحتكار والجشع

|
ونحن على أعتاب مرحلة اقتصادية جديدة تفرض على الخليج وأهله ترك الكثير من بطر النعمة، وسلوك الوفرة، وأفعال قلة الشكر. في هذه المرحلة سيكون من أولويات المرحلة مع ولادة ضرائب جديدة بات لا مناص منها كما يظهر، أن نستأصل أولا الجشع وغلاء الأسعار على الناس، الذي يكونه الاحتكار ويفرضه كواقع مستقر ودائم. كلنا يعرف أن التعليم الأهلي في عمومه غير عادل نهائيا فيما يستوفيه من الناس، والجميع يعرف أن أي مقارنة بأي دولة في العالم ستنتهي بكل يقين إلى نتيجة وحيدة أن المجتمع السعودي ضحية حقيقية للجشع والاحتكار من جهة وغياب الضوابط والرقابة والمحددات للقيمة العادلة من جهة أخرى. بريطانيا مثلا تعد من أكثر الدول ارتفاعا في تكلفة المعيشة والتعليم فيها يتصف بالجدية العالية جدا، وهو من أفضلها في أوروبا، ورغم ذلك تكلفة التعليم ما قبل الجامعي لا تزيد مطلقا على "15 ألف ريال فقط لا غير سنويا"، بينما تستقطع بعض المدارس الأهلية في مراحله الابتدائية مبالغ تصل إلى 95 ألف ريال بذريعة وجود تعليم اللغتين الإنجليزية والفرنسية! ولم تعد في جميع المدارس الأهلية فرص للناس إلا بمبالغ تعادل التعليم الجامعي العلمي في دول العالم كافة. هذا الإسفاف الخطير، قاد الجامعات الأهلية لمضاعفة أسعارها، مستفيدة من قرار الابتعاث الداخلي، حيث أصبح القفز إلى المضاعفات أمرا طبيعيا جدا، فمن 50 ألف ريال إلى 95 ألفا. وهذا أمر وزارة التعليم لم تتدخل في منعه والوقوف أمامه، ولم تضع شروطا واجبة له لا يجوز تخطيها أو العبور فوقها. الأسوأ أن الوزارة أحيانا تستمر في الدفع للتعليم الأهلي على الرغم من مليارات أرباحه، وجشعه المرضي، وثرواته التي يعكسها حجم التوسع المدهش الذي يظهر على كل مدرسة أهلية خلال فترة وجيزة من الزمن. بما يفوق حتى النمو والأرباح الصناعية والتجارية. لقد تحول التعليم الأهلي إلى تجارة صرفة في نهاية الأمر، وتحول الناس إلى رهائن، يفرض عليهم أسعارا مضاعفة كل عام، حتى أن الجامعات باتت تستقطع خمسة آلاف ريال ما يعادل 1500 دولار مقابل تقديم طلب الالتحاق بالجامعة فقط، وأن هذا المبلغ غير قابل للرد نهائيا. لقد عدت للموضوع مرة أخرى، وأحسب أنها لن تكون الأخيرة، خاصة مع سنوات التقشف المحتملة، وقلة الوفرة المرتقبة، مع انخفاض أسعار النفط، وزمن تعافي قيمته التي من المرجح أنها ستحتاج إلى وقت الله وحده يعلم أجله ومنتهاه. وقد توالت علي من القراء ما كنت أجهل بعد مقالتي الأخيرة عن الجامعات الأهلية والمسؤولية الاجتماعية، فقد ظهر لي أن الأرقام التي ذكرتها كانت متواضعة مع واقع ما يتم استيفاؤه من الناس فتكلفة ساعة القانون خمسة آلاف ريال! وتكلفة ساعة طالب الهندسة ثلاثة آلاف ريال! ومتوسط تكلفة الساعة الجامعية في عموم الجامعات 2500 ريال سعودي! إننا نضع هذا الواقع المؤلم والمؤسف، وفي مرحلة التقشف القهري، وضمور الوفرة.. أمام ضمير وزير التعليم، ونجعلها معلقة في عنق وزارته! هل هذا الواقع عدل؟ وهل عجزت الوزارة عن تصنيف التعليم الخاص، وجعل ضوابط ثابتة للقيمة العادلة، والرجوع للمعدلات الطبيعية عالميا؟ لا أحد ينكر على التعليم الأهلي الربح، ولا حقه في السعة منه، ولكن الجميع بما فيها ضمائرهم، ينكر عليهم الجشع، والاحتكار وفرض أموال على الناس بغير وجه حق، بما فيها بيع كتب خاصة بالجامعة بمبالغ تعادل قيمة الموسوعات. فقط لأن الكتاب يحمل اسم الجامعة، أو هو أحد مقرراتها، فحتى هذه المبالغ الأعلى عالميا لم تكفهم فرجعوا للكتاب والمناهج وفرضوها على الطالب بخمسين ضعف قيمة أمثالها. لنبدأ في محاربة الغلاء بموجب قرارات حاسمة من الوزارات كافة، لأن هذا سبيل رحيم، من سبل التخفيف على الناس فيما نحن فيه، وما نحن مقبلون عليه.
إنشرها