FINANCIAL TIMES

تضارب المصالح يجعل صناعة المراجعة في خطر

تضارب المصالح يجعل صناعة المراجعة في خطر

خلال السنوات السبع الماضية، كانت اليونان في قبضة واحدة من فترات الركود الأكثر وحشية في التاريخ. لكن بالنسبة إلى المختصين في شؤون الإعسار، وجود كارثة على الأرض يعني حدوث طفرة في نشاطهم. عندما تعرضت شركة هيلاس تليكوم لصعوبات عقب انهيار الاقتصاد اليوناني في عام 2009، عينت شركة الاتصالات اليونانية شركة إيرنست آند يونج حارسا إداريا مسؤولا على الأعمال. لكن شركة الخدمات المهنية، التي تم تغيير علامتها التجارية إلى "إي واي" EY في عام 2013، فشلت في الكشف لعملائها المحتملين أنه لا يمكنها تقبل أي مهمة رسمية بخصوص الإعسار، نظرا لوجود تضارب في المصالح: مضى أقل من ثلاث سنوات على تولي إحدى الشركات المنضوية تحت "إي واي" مهمة تدقيق حسابات هيلاس. في حزيران (يونيو)، تم تغريم "إي واي" 250 ألف جنيه - وهي عقوبة قياسية تفرضها الجهة المنظمة للإعسار في المملكة المتحدة - بسبب إخفاق الشركة في الإعلان عن وجود تضارب في المصالح. وتؤكد القضية على التطور الذي شهدته الشركات الأربع الكبرى على مدى العقد الماضي - برايس ووترهاوس كوبرز PwC، وديلويت، وشركة إي واي، وشركة كيه بي إم جي - بتحولهم من مراجعين للحسابات إلى شركات خدمات مهنية وحداتها الأسرع نموا عبارة عن خدمات لا ترتبط بالمراجعة، مثل الخدمات الاستشارية. يقول واحد من كبار الشركاء السابقين في المملكة المتحدة في واحدة من الشركات الأربع الكبرى "ما من شيء لا يستطيعون فعله مقابل الرسوم ـ وما من شيء لن يفعلوه". من خلال تقديم كل شيء، بدءا من الخدمات القانونية والإجراءات المتعلقة بالإفلاس إلى تقديم العمل الاستشاري المتعلق بأسواق رأس المال والمشورة بشأن الأمن الإلكتروني، تحاول هذه الشركات الاستفادة من مجالات النمو المحتمل بأن تكون مربحة وتقديم نفسها على أنها "تقدم جميع أنواع الخدمات في مكان واحد". لكن تماما كما هو حجم الفرصة الكبيرة، هناك خطر يتمثل في سوء إدارة حالات تضارب المصالح التي لا مفر منها. إن المخاطر عالية. ويدَعي النقاد أن ميزان الأنشطة المتحول يمكن أن يهدد نوعية مراجع الحسابات واستقلاله، ويحدث تغييرا جذريا في الثقافة واللهجة على مستوى القيادة العليا للشركات. يقول السير مايك ريك، رئيس مجلس الإدارة السابق لشركة كيه بي إم جي الدولية والرئيس الحالي لشركة سي بي آي، منظمة أرباب العمل في المملكة المتحدة "هناك مخاطر في أن تمثل هذه الشركات كل الأشياء بالنسبة إلى جميع الناس". وتشمل المخاطر ضوابط أكثر تشديدا، أو شركات تغادر أعمال مراجعة الحسابات نهائيا. ويضيف السير مايك "إذا كان ذلك سيؤدي إلى تقسيم الشركات وفقدان القدرات المتعددة التخصصات لتحل مكانها شركات عالمية كبيرة متطورة، فإنه لن يفضي إلى تحقيق جودة في نوعية مراجعة الحسابات". عقوبات تأديبية وبالفعل، بدأ المنظمون تسديد ضرباتهم. ففي آب (أغسطس) من العام الماضي، تم تغريم شركة برايس ووترهاوس 25 مليون دولار وتم كذلك حظر بعض أعمالها الاستشارية لمدة سنتين، من أجل تسوية ادعاءات منظمي ولاية نيويورك بأنها خففت تقريرا يتعلق بمكافحة غسل أموال لبنك طوكيو - ميتسوبيشي. وفي حزيران (يونيو) 2013، وافقت شركة ديلويت على تعليق مدته عام واحد على تقديم استشارات للمصارف الخاضعة لأنظمة نيويورك ودفع عشرة ملايين دولار لتسوية ادعاءات بأن الشركة أساءت في تعاملها مع أعمال بنك ستاندرد تشارترد المتعلقة بمكافحة غسل الأموال. ولم يكن من المفترض أن تسير الأمور على هذا النحو. فقد لجأ المنظمون الأمريكيون إلى إجراءات صارمة ضد تضارب مصالح مراجعي الحسابات بعد انهيار شركة الطاقة الأمريكية العملاقة "إنرون"، التي وقَّع مراجع حساباتها، شركة آرثر أندرسون، بالقبول على خدع مسك الدفاتر فيها. وتم توجيه اتهام لـ "أندرسون" بتطبيق معايير متراخية في مراجعاتها، بسبب تضارب مصالح يعود إلى رسوم كسبتها من خلال أعمال الاستشارات سريعة النمو فيها. وفي مسعى لوضع حد لتضارب المصالح، حظر قانون ساربانس - أوكسلي لعام 2002 على مراجعي الحسابات تقديم خدمات غير المراجعة، مثل الخدمات الاستشارية لعملائهم في مجال مراجعة الحسابات. وتخلصت كل من "برايس ووترهاوس كوبرز" و"كيه بي إم جي" و"إي واي" من أقسامها الاستشارية من خلال اكتتابات عامة أولية أو مبيعات. فقط بقيت شركة ديلويت في مجال استشارات الأعمال. وفي إطار تلك التصفيات، وقّعت شركات المحاسبة على اتفاقيات غير تنافسية مع أقسامها الاستشارية السابقة. وبحلول منتصف العقد الأول من هذا القرن، انتهت صلاحية تلك الاتفاقيات، ما مهد الطريق أمام الشركات لإعادة بناء خدماتها الاستشارية - تحت ستار العمل الاستشاري - من خلال سلسلة من عمليات الاستحواذ. وغيرت علاماتها التجارية لتصبح شركات تقدم الخدمات المهنية ومضت قدما للتصدي للشركات المتخصصة في الاستشارات الإدارية، مثل مجموعة بوسطن وماكينزي الاستشارية، مستهدفة الأعمال الاستشارية للشركات التي لا تقدم لها أعمال مراجعة الحسابات، وإلى أولئك الذين يعملون خارج الولايات المتحدة حيث لا ينطبق قانون ساربانس - أوكسلي. العودة إلى نقطة البداية الآن، هناك دلائل تشير إلى أن التاريخ بدأ في إعادة نفسه. تقول فيونا زيرنياوسكا، المديرة الإدارية لشركة الأبحاث "سورس إنفورميشن سيرفيسس"، "عادت الشركات الأربع الكبرى إلى نقطة البداية فيما يتعلق بالخدمات الاستشارية. لقد قدمتها، وتخلصت منها، والآن أعادت بناءها مرة أخرى". ووفقا لمجلس مراقبة حسبات الشركات العامة في الولايات المتحدة، في الفترة من عام 2011 إلى عام 2013، استحوذت الشركات الأربع الكبرى على 66 مؤسسة استشارية. والآن يشكل العمل الذي لا يشمل مراجعة الحسابات ما نسبته 60 في المائة تقريبا من إجمالي الإيرادات العالمية للشركات الأربع الكبرى، مقارنة بأقل من النصف في عام 2004. علاوة على ذلك، تنمو الآن الأقسام الاستشارية للخدمات المهنية للشركات الأربع الكبرى بشكل أسرع من الاستشارات الإدارية التقليدية، وفقا "سورس إنفورميشن سيرفيسس". وتقول فيونا، "يلقى النمط الاستشاري المتبع من قبل الشركات الأربع، الذي يمتد من تقديم المشورة إلى التنفيذ، صدى جيدا لدى العملاء". وفي الوقت الذي تصبح فيه أعمال الاستشارات أكثر أهمية، يجادل بعض المختصين بأن أعمال مراجعة الحسابات - وهي وظيفة حاسمة لأسواق رأس المال - في خطر. تقول ستيلا فيرنلي، أستاذة المحاسبة في جامعة بورتماوث في المملكة المتحدة "إن أعمال مراجعة الحسابات تعتبر خدمة عامة حيوية وهذا لم يعد من الأعمال التجارية الأساسية لمراجعي الحسابات. لقد أصبحوا شركات استشارات، بهدف الحصول على المال. إن الوضع خطير جدا". تأتي هذه المخاوف في الوقت الذي تحاول فيه شركات مراجعة الحسابات إعادة بناء الثقة بعد أن تعرضت لانتقادات على نطاق واسع في أعقاب الأزمة المالية لعدم دق ناقوس الخطر بشأن نماذج الأعمال المرهقة للمؤسسات المالية، بما فيها بير ستيرنز، ليمان براذرز، ورويال بانك أوف اسكتلاند، وهي المصارف التي انهارت أو تم إنقاذها من قبل دافعي الضرائب. وتقول الشركات الأربع الرئيسية "إن وجود قاعدة واسعة من العملاء والإيرادات يساعد على ضمان الاستقرار". وتقول أيضا "إن قطاع المعرفة، الذي يعززه تقديم خدمات استشارية ذات صلة، أمر ضروري لتكون مراجع حسابات جيدا في ذلك القطاع". وتشدد الشركات على أن تقديم مجموعة واسعة من التخصصات يجعلها وجهة عمل أكثر جاذبية للخريجين. ويشير المنظمون، مثل مجلس التقارير المالية في المملكة المتحدة وpcaob، إلى أنهم يراقبون سرعة نمو الخدمات التي لا تشمل مراجعة الحسابات. وقال ستيفن هاريس، عضو مجلس PCAOB في خطاب ألقاه في نيويورك في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، "إن استقلال مراجعة الحسابات، وجودة مراجعة الحسابات، يمكن أن يتعرضا للتهديد بسبب نمو الخدمات الاستشارية وخدمات المشورة في أكبر شركات مراجعة الحسابات". ومصدر القلق هو أن تستثمر الشركات في أعمال الاستشارات المربحة حساب التدقيق المالي. وثمة قلق آخر هو أن الشركات تصبح أقل موضوعية في مراجعة الحسابات، لأنها قد تكون قلقة من أنها يمكن أن تعوق فرصها في الفوز بأعمال تجارية أخرى. ويرفض المسؤولون التنفيذيون في الشركات الأربع الكبرى بشدة تلك التلميحات. ويقول سايمون كولينز، رئيس "كيه بي إم جي" في المملكة المتحدة "إن تضارب المصالح يوجد فقط إذا تم ضم الفشل في تطبيق الأنطمة مع الفشل في الحوكمة والنزاهة الشخصية المنخفضة". ويقول أيضا "إنه من "العبثي" الاعتقاد بأن مراجعي الحسابات يمكن أن يساوموا بقراراتهم وتحليلاتهم في مراجعة الحسابات من أجل الفوز بأعمال تجارية جديدة. سأتخلص من أي علاقة استشارية من أجل إنقاذنا من عملية مراجعة سيئة. إن حياتنا معلقة بخيط فيما إذا كنا سنجري مراجعة ذات نوعية جيدة أم لا". المنافسة الداخلية الخطر الآخر هو الحوكمة في تلك المنظمات، التي تتنافس أجزاء مختلفة داخلها ضد بعضها بعضا. يقول جيم بيترسون، الشريك الأسبق في آرثر أندرسون "إن ضغط الحوكمة الواقع على المنظمات من قبل الأشخاص الذين يتنافسون داخليا مع بعضهم بعضا للحصول على الأعمال هو الذي سبب الضرر لآرثر أندرسون. هؤلاء الذين يعملون في تقديم المشورة سيريدون أن تنمو وتزدهر هذه الأعمال - كما لو أنها ضمن تركيبهم الجيني - وسيشعرون بالإحباط عند التعرض للقيود المفروضة على فعل ذلك". وفي الوقت الذي تنخفض فيه الإيرادات من عمليات التدقيق مقارنة ببقية الأعمال التجارية ـ وهناك انخفاض مناظر في عدد الشركاء في المراجعة ـ يكمن الخطر في أن المختصين الاستشاريين الذين يجلبون مزيدا من الأموال بإمكانهم الحصول على مزيد من التأثير. وهذا يمكن أن يقلل من أهمية التدقيق في هيكل الإدارة وتغيير الإطار الديناميكي التنافسي الإجمالي للشركات. يقول إيان باول، رئيس مجلس الإدارة في بريطانيا في شركة برايس ووترهاوس "إن التدقيق يقع مباشرة في قلب أعمالنا التجارية وعلامتنا التجارية ستبقى كذلك. إن التكامل والنزاهة المتولدة من ممارسات التدقيق أو المراجعة الناجحة تعزز علامتنا التجارية للتدقيق فيما يتعلق بجميع الخدمات الأخرى التي نقدمها". في المملكة المتحدة، لا ينحدر أي من كبار الشركاء للشركات الأربع الكبرى من خلفية مراجعة خالصة. بدلا من ذلك، برزوا من خلال صفوف المستشارين "باول مع شركة برايس ووترهاوس وستيف فارلي مع إي واي"، وتمويل الشركات "كولينز من كيه بي إم جي"، والضرائب "ديفيد سبراول من ديلويت". بعد الأزمة، تدخل المنظمون في محاولة لتعزيز استقلالية مراجعي الحسابات، وزيادة التنافس ورفع جودة التدقيق. في عام 2011، حاول مفوض السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي آنذاك، ميشيل بارنييه، دفع إصلاحات جذرية صارمة من شأنها إرغام الشركات على الانقسام إلى أجزاء منفصلة لمراجعة الحسابات وأقسام استشارية تحت مسمى معين. لكن تم سحب هذا الاقتراح بعد ضغوط مكثفة من الشركات الكبرى. بدلا من ذلك، أصدر المنظمون الأوروبيون "تناوبا إلزاميا"، يتطلب أن تعرض الشركات مراجعاتها للتداول كل عقد وتغيير مراجع الحسابات كل 20 عاما على الأقل. وتفرض اتفاقية الاتحاد الأوروبي أيضا وضع حد أقصى نسبته 70 في المائة على الرسوم التي يمكن أن تولدها الشركة من خلال خدمات لا تتعلق بالمراجعة وتمنع بعض الخدمات الاستشارية. وأدى التناوب الإلزامي إلى وجود تلاعب في المراجعات بين الشركات الأربع الكبرى. يقول النقاد "إن ذلك عمل فقط على شحذ احتمال حدوث تضارب في المصالح، وهناك بعض المناسبات عندما يتعين على الشركة أن تقرر ما إذا كانت تريد التقديم لتنفيذ خدمات المراجعة، أو اتباع مزيد من العمل الاستشاري الأكثر ربحا". يقول ريك "إن عمل المنظمين لم يكن كافيا، ويجادل بأن التناوب الإلزامي يزيد من التكاليف والمخاطر على الشركات ويعقِّد الأمور لأن القواعد غير متناسقة على الصعيد العالمي". ويضيف "أعتقد أن الوضع كان من الممكن أن يكون أفضل (...) لو عمل المنظمون على حظر خدمات غير المراجعة المقدمة لعملاء التدقيق، لضمان مستوى من الاستقلالية اللازمة حقا". تحدٍ متزايد إن التحدي الذي يواجهه المنظمون يتفاقم بسبب حقيقة أن هناك فقط أربع شركات مؤهلة لمراجعة حسابات الشركات الكبيرة متعددة الجنسيات. ولا تستطيع الصناعة تحمل خسارة شركة واحدة بسبب الضغوط التجارية أوالتنظيمية، أو بسبب ضربة لسمعتها جراء عملية مراجعة فاشلة. يقول سبراول، من شركة ديلويت "ستتعرض السوق لاتجاهات سلبية فيما لو كان هناك فقط ثلاثة من مراجعي الحسابات". ويضيف "من المهم التأكد من أن تبقى أعمال مراجعة الحسابات مصدر جذب". وإذا تحركت درجة ضغوط الأسعار، ودرجة الضغوط التنظيمية، أو مخاطر المقاضاة بشكل جوهري، فإنها قد تجعل عملية مراجعة الحسابات غير جذابة. ويقول شريك سابق ذو خدمة طويلة لدى واحدة من الشركات الأربع الكبرى "إنها علاقة تشبه توقيع عقد مع الشيطان. لو خسرنا واحدة من الشركات الأربع الكبرى، فستكون لدينا مجموعة أكبر من المشكلات". كل تلك الشواغل المتعلقة بالتهديدات التي تتعرض لها جودة واستقلالية المراجعة تتضح بصورة حادة تتمثل في الحجم الهائل - والآخذ في التزايد - من مراجعي الحسابات. تقول فيرنلي "بشكل مشترك مع المصارف، شركات مراجعة الحسابات هي أكبر من أن تفشل، وأكبر من أن تدار داخليا، وأكبر من أن يتم إخضاعها للأنظمة". جاي جاب، الرئيس العالمي للحوكمة والتوجيه لدى Standard Life Investments وصف احتكار الشركات الأربع الكبرى بأنه "حادثة في حكم الوقوع". وفي كلمة ألقاها في السنة الماضية أمام جمع من العاملين في الأجهزة التنظيمية في واشنطن، قال "احتاجت الأجهزة التنظيمية إلى وقت أطول من اللازم لكي تدرك الطبيعة القارصة الحارقة لهيمنة الشركات الأربع الكبرى".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES