Author

«حافز» التهكم

|
عانى محمد عبدالله القحطاني صغيرا، عدم القدرة على الكلام. أصبح عمره ست سنوات من دون أن يستطيع نطق حرف. كانت أسرته تساعده على جر الحرف من أعماقه جرا من دون جدوى. تعددت المحاولات .. تعددت الوسائل والخطوات لكن كانت النتيجة واحدة. لا صوت يعلو فوق صوت الصمت. هذا الصمت تسبب في جرح غائر في جوف محمد. بدأ محمد أخيرا في الكلام. كان كلاما خاليا من الكلام، مملوءا بالتأتأة والتلعثم. كانت الكلمة التي يتفوه بها تخرج بصعوبة بالغة من حنجرته.. كأنه يجر شاحنة من داخل جسده الغض الصغير. كبر محمد وكبرت معه التأتأة، رأى أن يواجهها بعد أن كان يدير ظهره إليها. رمى نفسه أمام جمهور الإذاعة في مدرسته بأحد رفيدة في منطقة عسير. بدلا من أن يتخلص من مشكلة التأتأة، وجد نفسه أمام مشكلة أخرى. صار مصدرا للنكت ووجبة للتعليقات. أصبح رفاقه في الفصل يعيرونه أمامه ومن خلفه. كلما مر أمام زملائه كانوا يتهكمون عليه ويشهرون سباباتهم نحوه. اكتشف أنه أمام أسوأ واقع يواجه بشرا، فلا شيء يخسره. قرر الاستمرار في الصعود إلى المسرح ومواجهة خوفه والذين يضحكون عليه. شعر أنه كلما صعد متحدثا اختفت التأتأة تدريجيا، وأصبح شخصا آخر. حول الساخرين إلى مشجعين يصفقون ويهتفون باسمه. دخل في أندية الخطابة في "أرامكو السعودية" عام 2007، وشارك في فعالياتها ومنافساتها، وانتقل أكثر من مرة إلى منافسات المملكة، لكن لا يتأهل لكأس العالم. وفي العام الجاري، خسر أيضا بفارق طفيف عن صاحب المركز الأول، بيد أن الأول اعتذر عن الذهاب إلى الولايات المتحدة وخوض المنافسات النهائية، فتحقق حلم محمد في المشاركة. المدهش أن محمد فاز على 96 متسابقا من أنحاء المعمورة في بطولة 2015، وأصبح أول بطل عربي للخطابة في العالم. هذا اللقب الذي لا يستطيع أحد أن ينتزعه منه. محمد.. كان إلى عهد قريب شخصا لا يعرف يتكلم. اليوم هو أفضل من يتكلم في العالم. إذا صعد إلى المسرح.. تحول إلى آخر. يحلق عاليا. محمد يخبرنا أنه لا مستحيل إذا آمنا بقدراتنا. الإيمان بأنفسنا يجعلنا نبدع وربما نطير.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها