Author

ونِعم القاضي

|
تفخر أغلب دول العالم بنهجها العلماني الذي كرسته سنوات طويلة من النزاع الديني والطائفي والمذهبي، ليجد الناس الحلول في الفصل بين الدولة والكنيسة. إلا أن كثيرين مقتنعون بأن الدين يمثل القيم الأخلاقية والحماية الأسرية التي لا تستطيع أي من القوانين الوضعية أن تضمنها. الأديان ــ خصوصا السماوية ــ تنطلق من العناية بالأسرة وحماية المجتمع والدعوة للفضيلة. عندما أساء كثيرون لهذه القيم وحاولوا أن يستغلوا مواقعهم للانقضاض عليها، لم يكونوا يمثلون سوى أنفسهم. بل إنهم أساءوا لمجتمعاتهم لدرجة أنهم دفعوا بقية أفراد المجتمع نحو تبني مفاهيم وقيم هي أبعد ما تكون عن العقلانية واحترام سنن الخالق ــ سبحانه وتعالى ــ في الكون. أدت السيطرة الشديدة للمفاهيم العلمانية والتبني المنتشر لها في الغرب إلى استغراب ورفض أي مبادرات إنسانية لها صلة بالدين أو التدين أو المفاهيم الأساسية للدين. كثير هي القضايا التي تبرز هذا الكم من الكراهية للأديان ومحاولة إبعادها عن التشريع. واحدة من الحالات الفريدة التي تدل على حجم كراهية التدين والضياع الذي تعيشه المجتمعات الغربية، حالة القاضي راندال روجرز ــ التي أوردتها صحيفة "سبق" في عددها ليوم الثلاثاء الثالث من ذي القعدة ــ حيث خيَّر القاضي أحد المتهمين بالتعدي بأن يتزوج من صديقته أو يدخل السجن. اختار الشاب الزواج من الفتاة وهذا ما زاد من حنق مناصري العلمانية في جمعية "حرية الأديان" الذين رفعوا دعوى يطالبون فيها بشطب القاضي، الذي ألزم الشاب ــ أيضا ــ بكتابة "آيات من الإنجيل"، أتوقع أن تكون ذات علاقة بتحريم الزنا في الديانة المسيحية. ما فعله القاضي كان التسريع بزواج الشابين اللذين كانا ينويان الزواج في نهاية المطاف، لكنه أثار عاصفة من الرفض والمطالبات بسبب ربطه قناعاته الدينية بالحكم القضائي في دولة تفصل الدين عن الدولة. ولو استثنينا أمر القاضي للمتهم بكتابة مقاطع من الإنجيل، فحكمه منطقي ويبنى على قناعاته ومعرفته بالمجتمع الذي عاش فيه أكثر من 80 سنة. أقول إن هذا القاضي يستحق الاحترام، فكم من الرذائل والبلايا حدثت بسبب العلاقات الجنسية المحرمة التي تمارس في العالم. كما أن رباط الزوجية الذي أحكمه هذا القاضي مبكرا هو ما يضمن أن تعيش الأسرة سعيدة، ويعيد العقلانية التي تعطي الأسرة دورها الأهم الذي فقدته في أغلب المجتمعات الغربية.
إنشرها