Author

الـ 30 % للتمويل العقاري تحمي الاقتصاد والمجتمع

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
لا تتجاوز حملة تجار الأراضي والعقار المضادة لقيام مؤسسة النقد العربي السعودي بتحديد نسبة الحد الأقصى للتمويل العقاري بما لا يتجاوز 70 في المائة من حجم التمويل "بما يعني اشتراط تحمل المشتري دفع 30 في المائة من قيمة الأصل العقاري كإثبات لملاءته المالية"، ضمن نظام مراقبة شركات التمويل الذي بدأت المؤسسة في تطبيقه الإلزامي بتاريخ التاسع من تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 الماضي، أقول لا تتجاوز تلك الحملة مجرد ضوضاء متوقعة، لا هدف لديها سوى تحقيق مصالح ضيقة جدا، وإن كانت على حساب إلحاق الضرر وعدم الاستقرار بالاقتصاد الوطني عموما، وقطاع التمويل المحلي بصفة خاصة، مع الأخذ في عين الاعتبار حماية المجتمع من أية تداعيات سلبية قد تنتج عن تعرض الاقتصاد الوطني وقطاعه المالي لأية تقلبات من أي نوع. بكل تأكيد أن من عكف على إعداد الدراسة الاقتصادية العقارية، المنسوبة إلى غرفة الرياض التجارية والصناعية وتم نشرها أخيرا، لم تأت بجديد يذكر حول تشخيصها لأزمة السوق العقارية المحلية، ولا للحلول التي طرحتها، فهي تحمل المحتوى ذاته والرسالة التي دأبت اللجنة العقارية في غرفة الرياض على ترويجها طوال عقد زمني مضى، ورغم أنه لم يكن مستغربا أن تشير الدراسة إلى تفاقم أشكال احتكار الأراضي كأول الأسباب المؤدية إلى نشوء الأزمة العقارية، وتجاهلها التام قرار مجلس الوزراء المتعلق بفرض الرسوم على تلك الأراضي كحل رئيس لا يمكن تجاهله بأي حال من الأحوال، أقول رغم كل ذلك فإن الرسالة الأساسية التي أرادت الدراسة إيصالها بالدرجة الأولى، هي توصيتها بإعادة النظر في نسبة 30 في المائة كدفعة مقدمة للتمويل العقاري، واعتبار تلك النسبة عائقا أمام تطبيق الرهن العقاري! فهذا هو الهدف الرئيس من إعداد ونشر الدراسة، وتثبت ذلك الحملة الإعلامية الضخمة التي تلت نشرها في اليوم التالي (أمس الثلاثاء)، التي تمحورت في مضمونها جميع آراء المشاركين في تلك التقارير والتحقيقات الصحافية حول الرسالة ذاتها "نسبة 30 في المائة الدفعة المقدمة للتمويل العقاري"، وكيف أنها فعلت ما فعلت بوقوفها عقبة أمام تطبيق الرهن العقاري، وتعطيل مسيرة العقاريين وشركات التطوير وقطاع المقاولات إلى آخر التعليقات شبه المستنسخة من بعضها بعضا. بطبيعة الحال لو أن فريق الدراسة أو من كلفهم بإعدادها، قام بمجرد الاطلاع على أساسيات أنظمة التمويل الأخيرة، وعلى تقرير الاستقرار المالي الذي أصدرته مؤسسة النقد العربي السعودي في مطلع حزيران (يونيو) 2015، لما تجرأ على تسطير حرف واحد من هذه التوصية السطحية، ولعلم بحجم الآثار المدمرة اقتصاديا وماليا وتنمويا التي ستتركها خلفها، كنتيجة لأي تساهل أو تجاوز لأي من المخاطر أو الفوضى المحتملة نتيجة الإفراط في ضخ التمويل العقاري، دون اتخاذ ما يلزم من إجراءات احترازية بالغة الأهمية. تؤكد فحوى الدراسة العقارية أن فريق إعدادها لم يطلع تحديدا على فصل "القطاع المصرفي: الكفاءة التشغيلية والمخاطر والمرونة"، ولا على ما ذكره تقرير الاستقرار المالي بالنص في قسم الإقراض العقاري، حيث ذكر "أن مؤسسة النقد العربي السعودي تواصل مراقبة التطورات في سوق العقارات، وهي ملتزمة باتخاذ أي إجراءات لازمة لتخفيف مخاطر النظام في القطاع المصرفي الناشئة عن محفظة الإقراض العقاري. وفي ضوء ذلك، وضعت المؤسسة إجراءات احترازية كلية، لتعزيز مبادرات الحكومة وضمان مستويات ثابتة ومستدامة للتمويل العقاري. نتيجة لذلك وكجزء من نظام التمويل العقاري ولائحته التنفيذية، وضعت المؤسسة حدا أعلى يبلغ 70 في المائة من قيمة العقار كأقصى نسبة للتمويل العقاري، ودخل هذا النظام حيز التنفيذ في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2014، ومن المتوقع أن يحد تنفيذ الحد الأقصى للتمويل العقاري من المديونية المفرطة في قطاع العقارات". ليس هذا فحسب؛ بل إن ما قامت به مؤسسة النقد في هذا الاتجاه كان جزءا رئيسا من مجموعة واسعة من الإجراءات الاحترازية الكلية لضمان الاستقرار المالي، والحد من مخاطر النظام في القطاع المصرفي. كما توقعت مؤسسة النقد مبكرا نتيجة لتحوطها الاستباقي تجاه مخاطر الائتمان في القطاع العقاري، أن يتباطأ معدل النمو السريع للائتمان نتيجة لتطبيق نسبة الحد الأعلى للتمويل العقاري، بما يخفف من مخاوف المديونية المفرطة. كما اتخذت مؤسسة النقد بشكل استباقي وفقا لتقرير الاستقرار المالي، عدة خطوات للحد من قطاع "مصرفية الظل" عبر تنفيذ إصلاحات رئيسة لمؤسسات الائتمان غير المصرفية. ولهذا فإن نسبة الـ 30 في المائة وغيرها من الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها مؤسسة النقد، ليست منفصلة عن بعضها بعضا كما يتخيل الكثير من العقاريين أو غيرهم، بل هي في الأساس مكونات أساسية لأنظمة أكبر ترتبط تكامليا ببعضها بعضا، تم بناؤها ووضعها كنتيجة لدراسات وجهود مضنية استغرقت أعواما طويلة، وأخذت في الاعتبار تجارب دولية سبقتها، أدركت من خلالها فواجع ومخاطر أية ثغرات أو تجاوزات قد تؤدي إلى ما يشبه كارثة الأزمة المالية العالمية، التي اشتعلت نيرانها في منتصف أيلول (سبتمبر) 2008، مخلفة وراءها آثارا وخيمة على مختلف الاقتصادات حول العالم، ولا يزال الاقتصاد العالمي يدفع فاتورتها الباهظة الثمن حتى تاريخه "أعلى من 12 تريليون دولار أمريكي"! تؤكد التطورات الأخيرة المتسارعة كما نشهدها جميعا في الوقت الراهن، من جراء تراجع أسعار النفط، وعودة العجز المالي للميزانية الحكومية، وبدء الأجهزة المالية في تمويله من القطاع المصرفي المحلي، وما يحمله كل ذلك بجانب تفاقم اعتلال الاقتصاد العالمي والأسواق العالمية، من ارتفاع لدرجات المخاطرة على رأس المال والقطاع المالي، أن على مؤسسة النقد أن تذهب إلى أبعد مما اتخذته من إجراءات احترازية، فقد يكون من الضرورة بمكان أن تخفض نسبة الـ 70 في المائة من قيمة العقار كأقصى نسبة للتمويل العقاري في بعض المواقع من المدن الرئيسة، التي تشهد زيادة في مستوى المضاربة على الأراضي والعقارات، فتجعلها كإجراء احترازي مهم جدا عند نسبة 50 في المائة، بما يعني ارتفاع مقدم الدفعة الأولى على المشتري إلى 50 في المائة بدلا من 30 في المائة من إجمالي قيمة الأصل العقاري! وهو التوجه الملائم تجاه التوقعات الأقرب للتحقق، المتمثلة في تراجع أسعار الأراضي والعقارات، الذي بدأ فعليا في التحقق على أرض الواقع منذ مطلع الربع الثاني من العام الجاري، وأخذا بعين الاعتبار اقتراب موعد إعلان الحكومة آليات الرسوم على الأراضي البيضاء داخل المدن والمحافظات، الذي سينعكس تطبيقه دون شك على الأسعار المتضخمة للأصول العقارية المختلفة. من جانب آخر؛ يجب أن تتنبه مؤسسة النقد بحذر شديد إلى عدم السماح مطلقا بأن يتحمل القطاع المالي لدينا آثار إصلاح السوق العقارية، وأن تبقيه في منأى تام عن تهاوي أسعاره المتضخمة، وهو ما يسعى إليه تجار الأراضي والعقار في الوقت الراهن، بحثا عمن يتحمل آثارها الوخيمة بدلا عنهم! فهل ستقبل مؤسسة النقد أن يكون هذا البديل هو القطاع المالي والاقتصاد الوطني، وقبل كل هذا أفراد المجتمع؟ خبرة المؤسسة وتجربتها تؤكدان بالنفي. والله ولي التوفيق.
إنشرها