Author

مؤسسة النقد وأزمة الإسكان

|
خلال السنوات الثلاث الماضية لم يبق كاتب ولا محلل ولا مهتم بالتنمية، حتى المواطن البسيط إلا كتب، أو شارك، أو تفاعل بشكل مباشر أو غير مباشر مع توجه الدولة لحل أزمة الإسكان، واليوم برغم كل ما مضى من مقترحات ومشاريع، ووعود، وانتقادات، وإعفاءات، ولا أبالغ إذا قلت: إن الإحباط اليوم يسود كل بيت، ولم يعد للتفاؤل مكان، اختفت وعود البناء، وبرنامج قرض وأرض، وبرنامج القرض المعجل، وغيرها من الأحلام التي داعبت خيالنا أخيرا، وهذه الحقيقة المرة لا تعني كثيرا من المسؤولين "البرجوازيين" الذين يملكون المنازل الفارهة، ولا تجار الأراضي البيضاء الذين احتكروا كل شيء وتركوا لنا السراب! ولعل أهم الحلول في أزمة الإسكان، التي طالب بها الجميع، كانت تسهيل وتبسيط إجراءات "التمويل العقاري" بمشاركة فاعلة من البنوك، من خلال طرح برامج محفزة بفوائد معقولة، يستطيع معها أصحاب الطبقة الوسطى القادرون على الوفاء بالتزاماتهم تجاه البنوك، تملك ما يطمحون إليه من عقارات معروضة لدى المطورين العقاريين وغيرهم. لكن الأزمة التي لا أحد يستطيع فهم أبعادها وتحليلها، جاءت بالقرار المفاجئ لـ"مؤسسة النقد"، التي اشترطت على تقديم طالب القرض دفعة 30 في المائة مقدمة للبنك من التمويل العقاري، وكنت أتساءل حقيقة في أكثر من نقاش مع عدد من المختصين: من الذي اخترع هذا الشرط الغريب؟ وما مصلحته في ذلك؟ وهل كان يعلم حقيقة الأمر أن هذا الشرط يعد تعجيزيا، وأن القلة القليلة جدا هي القادرة على تقديم 30 في المائة دفعة أولى، وما عداهم لا يستطيع دفع حتى 10 في المائة. وفي خضم رحلتي البحثية، اكتشفت في أحد تصريحات مسؤولي "مؤسسة النقد"، أن شرط الـ30 في المائة لتملك العقار الذي فرضته "مؤسسة النقد" جاء بطلب من وزير الإسكان السابق الدكتور "شويش الضويحي"، وبت أكثر حيرة بعد أن اتضحت نتائج القرار الآن، وعزوف المواطنين عن الشراء، وبقيت الأموال مكدسة لدى البنوك، واستمرت المنازل المعروضة بوضعها من دون أن يستفيد أحد، هل كانت مصلحة الوزير السابق إطالة الأزمة أم حلها؟ لقد قضى شرط 30 في المائة على أحلام المواطنين في تملك المنازل وأسهم في تعقيد الأزمة، وخسارة الأطراف الثلاثة: البنوك، والمواطن، والمطورين العقاريين، والأمر يتجه إلى الأسوأ إن استمرت مؤسسة النقد في تعنتها وتمسكها بقرارها الذي تفرضه على البنوك. حجر الأساس في حل أزمة الإسكان كما يراه الجميع هو في تبسيط إجراءات "التمويل العقاري"، وتشجيع المنافسة بين البنوك، وكل الحلول الأخرى أثبتت فشلها خاصة إذا ما علمنا أن تقديرات السوق العقارية تؤكد وجود ما يقارب مليون وحدة عقارية للبيع تغطي الطلب الحالي بزيادة 20 في المائة، وهذا يعني أننا لسنا في حاجة إلى بناء مشاريع جديدة متى ما كانت برامج التمويل مواكبة للطلب وفي متناول المواطن. السؤال: من يسمعنا؟
إنشرها