Author

بينما في الباحة: «إنت عسل»

|
.. لما جاءت الثقة الملكية بتولي الأمير مشاري بن سعود إمارة منطقة الباحة، قلت لنفسي إنه سيحرص بتلقائيته المنهجية المعرفية وذائقته التي تكونت عبر سنين من الخبرة أن يطبع لمساته في المنطقة المهمة الجميلة. وصلتني دعوة من جامعة الباحة، وجميل أنها أول مرة تدعوني جامعة خارج حرمها الجامعي، مع أن عندهم في جامعة الباحة ما يفخرون به حقا. الجامعة دعتني لحضور حفل مهرجان العسل الذي يقام للمرة الثامنة سنويا؛ ومنطقة الباحة مشهورة بمناحلها، وعسلها، ونحاليها. فلسفة الجامعة ممثلة في مديرها الدكتور عبدالله الزهراني وبقية الدكاترة الشباب الذين رأيتهم وتعرفت عليهم وصادقتهم أن يوضحوا عمليا رسالة التكامل العضوي بين الجامعة والبيئة حولها في كل مجال. واستحدثوا لذلك وحدة تطوعية داخل الجامعة وأوكل لها بناء الجسر مع المجتمع الكبير داخل وخارج الجامعة، فأسعدتني جدا هذه اللمسة. وكان الموكل له إدخال هذه الرسالة في عيني ثم عقلي وقلبي هو مرافقي الحبيب الدكتور عبدالرحمن العلياني، الذي لو بيده لما تركني 24 ساعة طوال الـ 24 ساعة، فهو يحب الباحة وكامل المنطقة، ويصر أن يريني كل مترٍ بها، ولو على حساب جفوني الناعسة، أو إصابتي بدوخان المرتفعات لمّا زرنا متنزه الأمير مشاري، واعتلينا الذرى العالية، وأنا ابن أكثر الأماكن التصاقا بالأرض؛ السواحل. عمل الأمير مشاري مع فريقه على التركيز على التنمية السياحية التحتية، فالطريق جميل لمتنزه الأمير مشاري، وهو أقرب للمحمية التي تراها في بعض مناطق العالم النباتية، من كونها فقط متنزها عاما، والطريق الجديد للمتنزه بنعومة ملمس الحرير، ويتعطّف كأفعى ضخمة تنعصر بزوايا حادة رغم ملمسها الناعم. والطريق والمنطقة وسفوح الجمال من مسارح الأنظار. لما زرنا الدكتور المثقف والمؤلف في علوم الإدارة وكيل إمارة الباحة الدكتور حامد الشمري، تعرضنا للضعف في البنية التحتية السياحية في المنطقة الجميلة، ورفع عتبا وتيّمنا على رجال أعمال المنطقة الكبار في الباحة والمتوزعين في أنحاء البلاد بأن يقيموا مشاريع استثمارية من النوع الجيد في منطقتهم. أعود لشيء متسق مع ما قاله الدكتور حامد الشمري. لاحظت مدى جمال المنطقة، فرغم موسم جاف قياسا بمواسم سابقة إلا أنها تبقى قطعة من الجمال الأرضي فعلا، وتصر جبالها أن تبرز بشموخ وبهاء على الأفق الذي تتوسد عليه السحب. والضعف السياحي كامن في أمور مهمة، منها عدم وجود خدمة فندقية محترفة في منطقة سياحية من الطراز الأول، وهذا يجافي المنطق أصلا، ولا أعلم لماذا غاب المستثمرون عن الصناعة الفندقية المتطورة في الباحة مع أنها واعدة للمشاريع الاستثمارية المربحة. ولاحظت انخفاض النظافة بالمتنزهات والمرافق الصحية بها، وإن كان ذلك من فعل بعض المتنزهين، إلا أن هذا ليس عذرا لعدم متابعة النظافة والصيانة في المتنزهات والمرافق العامة، بل في كامل المدينة. خرجنا من بيت الدكتور حامد الشمري والجلسة بساحته من سرائح الأحلام، حيث ترى الجبال التي تفرض جاذبيتها عليك، وكون البيت أيضا يشرف على سفح نباتي مع نسيم درجته أقل من 24 في المائة، بينما نحن ننصهر في البحر والبر، وتوجهنا إلى غابة رغدان، حيث المهرجان واستقبلـَنا العالمُ بعالم النحل والعسل رئيس جمعية النحالين الدكتور أحمد الغامدي في معرض العسل، وتذوقتُ أنواعا عديدة من العسل حتى قلت: كفى صرتُ أقطر عسلا. بدأتُ كلمتي على مسرح المهرجان قائلا: "إني وقعت بالحب، وصرت من العاشقين. أحببت الباحة وعشقتها" ولما بدأ التفاعل مع الجمهور الكثيف، استغربت لما طلبت المداخلة طفلة لا تتجاوز الثامنة، والأغرب ما قالته: - تسمح أقول حاجة؟ - طبعا ماما تفضلي - إنتَ عسل! من سيقول لي ذلك غير طفلة في الباحة!
إنشرها