Author

رأس للإيجار

|
يتحكم "العقل الجمعي" في فكر الأفراد بصورة فاحشة مسيطرة رهابية. يحدث أن يفقد الفرد قدرته على اتخاذ مواقف وآراء فرديا، فيعيش في حالة عطل فكري كبيرة. تجده يهرع إلى المجموعة التي يتبعها بحثا عن مؤشرات لما قد يكون صوابا، وبحثا عن القرار الأسلم، والموقف الأنسب، دون تفكير واقتناع، متجاهلا تماما أو على مضض مؤشرات عقله التي قد تختلف ربما أو غالبا عن المجموعة. إلا أنه ينبري لتبني رأي المجموعة مرغما وبنفسه. ويرتبط ذلك حتما بمفهوم التبعية للتيار وللحزب وللجماعة، وهو ما قد نسميه فكر القطيع. كما يرتبط أحيانا بالعادات والأعراف والتقاليد البالية. ومن دلالة ذلك أن قلة من المفكرين العقلاء من يتجاوزون مسائل الخلاف العاطفية الغريزية من دين وسياسة وعاطفة أو حتى بغض وغيره، والنزوع للتفكير والتحاور بشكل سليم بهدف الخروج بنتاج عقلي حقيقي غير مؤدلج. كما أنه مثال جيد أيضا على أن هذا النمط من التفكير عادة ما يجمع مختلف الشرائح والفئات العقلية على مسائل يكون للأغلبية عامة رأيها الغريزي فيها، تبعا لتوجهات الجماعة ومصالحها وأيديولوجيتها. إن تأثير ذلك على مستوى الفرد يكون في اللاوعي حين يؤجر الفرد رأسه للجماعات دون مقابل. قد يكون للكثيرين أسئلة حذرة، وقد يكون لديهم إجابات منطقية لأمور ومسائل شائكة، ورأي صائب في قضايا مختلف عليها. لكنهم يخشون إثارتها والتعبير عنها، يعيشون في حالة رهاب مرضية ربما من سخط المجموعة التي تسيطر على كل أفكاره وآرائه في الوعي واللاوعي. كما هناك بالطبع الخلفية الثقافية، التي قد تعوق التفكير والحكم على الأمور من منظور فرداني. يحدث أن ينصرف الفرد مع من يوالي من جماعته مهما كانوا على خطأ أو مهما كانت الظروف خشية نقمة المجموعة، مهما كان نوع ونمط المجموعة. تصبح الأفكار جاهزة ومعلبة مسبقا. يتعطل التفكر والذكاء خشية الانفراد والانصراف بعيدا عن الجماعة وتقبّل الجماعة. هكذا هي النشأة التي يتربى عليها أغلبية المنتمين إلى جماعات، وهذا هو السائد. لكنه في محيطنا العربي مرتبط إلى حد أبعد بالتركيبة الاجتماعية التي تتأثر غالبا بالأوضاع السياسية المؤدلجة غالبا في المنطقة. إذن تختزن الأفكار والآراء في العقل وربما تقتل أو تموت، فيصبح الفرد محكوما بأفكار جمعية جاهزة. الفرد هو نفسه الذي سيفكر بطريقة منفردة لو ترك للتفكير وحيدا. لكنه سيفكر آليا فكرا جماعيا في حالة الانضمام إلى جوقة ما. وهنا يوضح ما يقوله غوستاف لوبون "الفرد المنخرط في الجمهور مختلف عن الفرد المعزول". قد يكون الاختلاف بطبيعة الحال نتيجة التخلص من قيود الجماعة والانفراد بالعقل دون مؤثرات. إن العقل المنصرف إلى الجماعة يكون غالبا في حالة شك حول كل ما يخالف فكرها وعملها، قاهرا أفكاره الشخصية. إنه يبحث عن أعذار مختلفة قد تسعى لتبديد اليقين في أمر ما، ليعود إلى مفهوم الجماعة السائد الذي يحدد الهوية بطبيعة الحال. كيف يعالج ذلك؟ لا حلول سوى بإرادة حقيقية وتوعية ومحاولات انتشال مستمرة.
إنشرها