Author

النساء .. ومهنة الهندسة

|
غني عن القول أن مهنة المهندسين مهنة رفيعة المقام، ورغم هذا فإنها لم تزل تعاني نقصا في مقوماتها المهنية في المملكة على وجه الخصوص، فأي عمل يقوم به مجموعة من الأفراد المتخصصين لا يصبح مهنة حتى يحقق شروطا عدة أقرّتها المنظمات العالمية؛ فالمهنة في تعريف المجلس الأسترالي للمهن – على سبيل المثال - هي مجموعة منضبطة من الأفراد الذين يلتزمون بمعايير أخلاقية عالية ويدعمون أنفسهم، كما يقبل المجتمع منهم ذلك - بالمعرفة والمهارات المهنية في بنية معترف بها ومنظمة بشكل واسع مستمدة من التعليم والتدريب على مستوى عال، وهم على استعداد لممارسة هذه المعرفة وهذه المهارات في مصلحة الآخرين. هذا التعريف قريب من تعريفات عالمية أخرى وكلها تدور في الرحى نفسها، هناك مقومات أساسية لكل مهنة راقية. وبتطبيق هذا التعريف على مهنة الهندسة في المملكة نجد أنها تعاني نقصا بارزا في هذه المقومات، فهي من جانب لم تطور حتى الآن قواعد للسلوك المهني يلتزم بها الممارسون للمهنة ويتعرضون في مقابل مخالفتهم هذه القواعد الأخلاقية للتأديب من قبل مجلس المهنة. ومعنى أن يقبل المجتمع منهم ذلك أي أن يعترف بهم كمهنيين، وهذا الاعتراف يأتي من خلال إجبار الممارسين لهذه المهنة على الحصول على الترخيص المهني المطلوب، وهنا خلل كبير يعتري المهنة في المملكة فلا يزال عديد ممن ينتمون إلى هذه المهنة الراقية يمارسونها من خلال تأشيرات غير هندسية، حيث أشارت تقارير إلى أن هناك عددا من المهندسين الحاصلين على الشهادات الأكاديمية الهندسية دخلوا إلى المملكة بمهنة سباك وكهربائي، والعكس صحيح فهناك أيضا من يمارس المهنة بشهادات علمية مزوّرة، وهم في الواقع سباكون وكهربائيون، وليس في هذا تقليل من شأن هذه المهن المهمة؛ بل فقط الإشارة إلى أن دخول مهنة الهندسة بالذات غير واضح بشكله المهني، كما تعرفه المنظمات الدولية. في هذا الضعف البارز لتطوير مهنة المهندسين في المملكة، فإن المهنة تواجه تحديات جديدة ومتطورة؛ فهناك قضية الكادر الهندسي التي لم تنته بعد، كما أن مهنة المهندسين تواجه تطورا نوعيا بدخول العنصر النسائي إليها، فقد أكد المتحدث الرسمي للهيئة، أن الهيئة منحت عددا من المهندسات السعوديات تصاريح مهنية، ولديهن حق الحصول على ترخيص بفتح مكاتب هندسية، كما أن هناك 34 مكتبا هندسيا رسميا مسجلا بأسماء مهندسات سعوديات. ونحن مع دخول الفتاة السعودية هذه المهنة الراقية، لكن في ظل الضعف الواضح في مقومات المهنة في المملكة، فهل ستتمكن الفتاة السعودية من إثبات وجودها في هذه المهنة، خاصة مع دخول مهندسين أجانب غير مرخصين أو عمالة لديها شهادات مزورة؟ القضية بالنسبة للمرأة السعودية لن تكون مجرد شهادة علمية وترخيص مهني ومكتب، بل قدرة على المنافسة وإثبات الوجود. ومع أن السوق السعودية ضخمة بدرجة تجعل هذه النخبة من الكفاءات السعودية تجد فرصتها كاملة، لكن نظل على قلق بشأن عدم توافر ما يدعم النجاح من حيث قواعد السلوك المهني والالتزام بها والتأديب لمن يخالفها، ومن حيث الرقابة على جودة أعمال المكاتب الهندسية حتى لا يسمح لغير المختصين من ممارسي هذه المهنة. لهذا يجب قراءة دخول المرأة السعودية هذه المهنة وفق سياقه الصحيح؛ فهو نتيجة حتمية لتطور وعي المجتمع السعودي وطريقة نظرته لدور المرأة فيه وقدرتها على المشاركة في العمل، خاصة في هذه المهن الراقية، وليس هذا نتيجة تطور مهنة المهندسين في المملكة. لهذا يجب أن تسارع الهيئة إلى استكمال مقوماتها المهنية، وأن تطور من قدراتها في مراقبة الجودة على أداء المكاتب، وأن تسهم في إيجاد بيئة تنافسية سليمة بين مهندسين مختصين فعلا، كما أن على الهيئة أن تقدم عديدا من الدورات لهذه النوعية من الكوادر الوطنية.
إنشرها