FINANCIAL TIMES

حوار مع مُطارَد يزعم إدخال القيصر بوتين الكرملين

حوار مع مُطارَد يزعم إدخال القيصر بوتين الكرملين

حوار مع مُطارَد يزعم إدخال القيصر بوتين الكرملين

إنه وقت متأخر من مساء يوم في أيار (مايو) الماضي، وسيرجي بوجاشيف الملياردير الروسي المنفي، ينفض الغبار عن ألبوم صور قديم للعائلة. في إحدى الصور يظهر ابن بوجاشيف، فيكتور، بعيون كئيبة، فيما كانت ماريا بوتينا، ابنة الرئيس، تميل لتهمس في أذنه. في صورة أخرى، ابن بوجاشيف الآخر، ألكسندر، يقف على درج لولبي خشبي في مكتبة الكرملين، مع ابنتيّ فلاديمير بوتين. على حافة الصورة نرى لودميلا بوتينا، التي كانت حتى ذاك الحين زوجة الرئيس. كانت العائلتان مُقرّبتين، فغالباً ما كانت ابنتا بوتين تأتيان إلى منزل بوجاشيف من المنزل المجاور للرئيس، خارج موسكو بعد المدرسة. أثناء تصفّح الصور في منزله في تشيلسي، لندن، تلك الأيام بدت كأنها منذ فترة طويلة وبعيدة جداً. إلا أن ماضيه كان يمسك به. الملياردير السابق، الذي ترك روسيا في عام 2011، كان يسمع همسات بأن حكومة بوتين تسعى لترحيله إلى روسيا ليحاكَم في قضية جنائية في موسكو. تتهمه السلطات الروسية باختلاس مئات الملايين من الدولارات من بنك ميزبروم بانك، البنك الذي شارك في تأسيسه. كما أنه أيضاً يعترض في المحكمة على حُكم بتجميد أصوله في جميع أنحاء العالم، الذي أصدرته المحكمة العُليا في لندن. قبل يوم فقط، كان بوجاشيف قد طلب حماية فرقة مكافحة الإرهاب في المملكة المتحدة، بعد العثور على أجهزة مشبوهة في سياراته، بما في ذلك السيارة المُستخدمة فقط لنقل أطفاله الصغار الثلاثة إلى المدرسة. كان يخشى أنها تحتوي على متفجرات، على الرغم من أنه تبين هذا الأسبوع أن بعضها كان أجهزة تتبع وضعها المُحقّقون في المملكة المتحدة الذين يعملون لحساب الدولة الروسية. مع التهديدات القانونية وربما الجسدية المتزايدة، هرب بوجاشيف إلى فرنسا، مُتحدّياً أمر المحكمة البريطانية للبقاء في البلاد. وتدرس المحكمة العُليا هذا الأسبوع ما إذا ينبغي أن تطلب منه العودة. لفترة طويلة، كان بوجاشيف يعتقد أن الحملة القانونية ضده هي من صنع مرؤوسيه في الكرملين، الذين يقول إنهم صادروا بصورة منهجية إمبراطوريته التجارية السابقة - التي امتدت لبناء السفن، والطاقة والبناء. عندما اشتد الضغط، استنتج أن هذا لا يُمكن أن يأتي إلا من القمة. يقول بوجاشيف "كيف يُمكن أن يتصرف بوتين بهذه الطريقة؟ لقد فعلت له كل شيء. حتى إنني جعلته رئيساً". على الرغم من أن البعض سيُشكّك في ذلك الادّعاء، إلا أنه من الواضح أن بوجاشيف قد خضع لتحوّل ملحوظ من مُطّلع متمكن في الكرملين إلى منفي مُحاصر. قضيته هي أحدث مثال على ما يحدث لحُكّام القلّة الروس الذين فقدوا حظوة الكرملين. منذ أن قام بوتين بترتيب اعتقال ميخائيل كودوركوفسكي في عام 2003 واستولى على إمبراطوريته النفطية، أي شركة يوكوس، كان يتم استخدام المحاكم الروسية لملاحقة خصوم الكرملين وإعادة تخصيص الممتلكات. ويخشى بوجاشيف من أن المحاكم البريطانية قد أصبحت الآن عن غير قصد امتداداً لذلك النظام. تلميع بوتين بالنسبة لبوجاشيف، البالغ من العمر 52 عاماً، فإن المعارك القانونية تُعتبر شخصية وتغلُب عليها السخرية. بحلول التسعينيات كان بوجاشيف قد حقق مكانة راسخة، حيث ساعد على صعود بوتين إلى السلطة. في المقابلات، كان بوجاشيف يصف كيف كان يعمل وراء الكواليس للمساعدة على تأمين إعادة انتخاب الرئيس بوريس يلتسن في عام 1996 - وبعد ذلك تمهيد الطريق لصعود بوتين إلى قمة السلطة الروسية. #2# دائماً ما كان بوجاشيف بعيداً عن الأنظار، لكن الآن - حيث إن ما بقي من ثروته وحريته هما الآن في خطر - بدأ برواية قصته. وفقاً لروايته، كان واحداً من اللاعبين الأكثر نفوذاً في الكرملين، أثناء انتقال السلطة التاريخي في روسيا في أواخر التسعينيات. لقد كان دائماً في الظل، باعتباره شخصا بارعا في التكتيكات، فقد كانت له علاقات وثيقة بالأشخاص الذين حكموا الكرملين - بعض نفس الأشخاص الذي عمدوا في وقت لاحق إلى إبعاده عن مجموعتهم. ويقول منافسون في مجال الأعمال إنهم مُتشكّكون من رواية بوجاشيف. من خلال المقابلات ومراجعات الوثائق، والصور وغيرها من الأدّلة، أكدت "فاينانشيال تايمز" عديدا من جوانب رواية بوجاشيف لصعوده وسقوطه المُذهل من الحظوة. بالنسبة إلى الوكالة الحكومية الروسية التي تُلاحق بوجاشيف، فإن قصة الملياردير السابق تختلف كثيراً. وكالة تأمين الودائع تدعوه بـ "المحتال" وترفض مخاوف بوجاشيف على سلامته باعتبارها "محاولة لافتعال ذريعة لاحتقاره المُعترف به للمحكمة". يقول مُمثّل وكالة تأمين الودائع، "إن قصة بوجاشيف بأنه هدف لحملة ذات دوافع سياسية هي ستار لا يكفي لتبرير هربه وإخفاء مئات الملايين من الجنيهات. في ظل المناخ الحالي، إنها رواية جذّابة جداً يمكن أن يستفيد من نشرها، لكنها لا تُجيب عن القضية القانونية ضد بوجاشيف بأنه مُحتال وكاذب". الادّعاءات ضد بوجاشيف تعود إلى وقت الأزمة المالية. يقول مسؤولون روس "إنه اختلس 28 مليار روبل من بنك ميزبروم بانك في عام 2008، بعد وقت قصير من تلقّي عملية إنقاذ بقيمة 1.2 مليار دولار من البنك المركزي في روسيا". وكالة تأمين الودائع تتهم بوجاشيف بوضع 700 مليون دولار من تلك الأموال في حساب مصرفي سويسري، لشركة كان ابنه عضوا في مجلس إدارتها. (بوجاشيف قال إن الأموال جاءت من قرض تجاري منفصل). وفقاً لشخص مُقرّب من وكالة تأمين الودائع، كان يتم تشغيل بنك ميزبرومبانك مثل نظام احتيال بونزي، مع قيام البنك بإصدار قروض جديدة لشركات وهمية من أجل تسديد القروض السابقة. يُصرّ بوجاشيف على أنه لا يُخفي الأموال وأنه أوقف جميع التعاملات مع عمليات البنك، بعد تصفية حصته عندما أصبح عضواً في مجلس الشيوخ في عام 2001. ويقول "إن عملية الاستيلاء بقيادة الكرملين على إمبراطوريته التجارية، إلى جانب رسوم قانونية هائلة، أزالت ثروته التي قدرتها مجلة فوربس بحدود ملياري دولار في عام 2008"، في الآونة الأخيرة، ظهر بهيئة بائسة في المحكمة العُليا في لندن، حيث يختار في بعض الأحيان الدفاع عن نفسه بدلاً من الدفع للمحامين. النجاح في الانتخابات مدينة لينينجراد، حيث نشأ بوجاشيف كانت مركز الحركة السرية التي ثارت ضد السيطرة السوفياتية. مع إطلاق ميخائيل جورباتشوف الإصلاحات الاقتصادية في الثمانينيات، رأى بوجاشيف فرصة، من خلال تشكيل جمعيات تعاونية للتجارة بالجينز والسيارات والمشروبات. في عام 1991، انتقل إلى موسكو حيث شارك في تأسيس البنك الصناعي الدولي، أو بنك ميزبروم بانك، الذي كان بين المصارف الأولى التي تم منحها رخصة التداول بالعملة الصعبة. كما حصل أيضاً على إذن لفتح شركة مالية مُرتبطة بالبنك في سان فرانسيسكو، حيث كان يمضى جزءًا من وقته من كل عام. حسب روايته، علاقات بوجاشيف في الولايات المتحدة لعبت دوراً حاسماً في إعادة انتخاب يلتسين في عام 1996 ضد المعارضة الشيوعية الشديدة. بفضل علاقته بفريد لويل، وهو محام في سان فرانسيسكو قريب من الحزب الجمهوري، جلب بوجاشيف فريقا من مختصي الإعلام بقيادة جورج جورتون، مختص استراتيجية بارز لحاكم ولاية كاليفورنيا في ذلك الوقت، بيت ويلسون. وعمل فريق جورتون، الذي كان معزولاً في فندق الرئيس في موسكو، مع ابنة يلتسن، تاتيانا دياشينكو، لإطلاق حملة انتخابات على غرار الحملات الأمريكية، من خلال إبراز الجانب الإنساني ليلتسن، والتشديد على خطر عودة الشيوعية للسلطة. لا يزال المُعلّقون في موسكو يُناقشون أهمية مختصي الاستراتيجية الأمريكيين في حسم فوز يلتسن، لكن يبدو من الواضح أن مساهمتهم جعلت بوجاشيف يحصل على الامتنان الأبدي من دياشينكو، التي نما دورها في إدارة البلاد، حين تدهّورت صحة الرئيس. يقول بوجاشيف "لقد كانت تلك الانتخابات الحقيقية الأخيرة في روسيا". بوجاشيف التقى بوتين أول مرة في التسعينيات، عندما كان يعمل في مكتب رئيس بلدية سانت بيترسبرج، إلا أنهما لم يصبحا أكثر معرفة ببعضهما البعض، إلا عندما انتقل بوتين إلى موسكو في عام 1996. أسطورة موسكو تقول إن بوريس بيريزوفسكي كان هو حاكم القِلّة الذي جعل بوتين على رأس السلطة. هناك آخرون يقولون إن بيريزوفسكي، الذي هرب من روسيا في وقت لاحق، وتوفي في منزله في إنجتلرا في عام 2013، كان صانع خرافات يبالغ في وصف دوره. إلا أن بوجاشيف يقول إنه كان هو من قدّم فكرة بوتين كخليفة مُحتمل لعائلة يلتسن. صداقته مع دياشينكو وفالنتين يوماشيف، زوج دياشينكو ورئيس أركان يلتسن في ذلك الوقت، قد تم تأكيدها من قبل، على صفحات "فاينانشيال تايمز". ويقول "إنه قد شعر بأن هناك انقلابا حقيقيا سيجري مع استعداد البرلمان لحجب الثقة عن يلتسن، وتدبير اتهامات جنائية ضد عائلته"، مضيفاً "لقد فهمت أننا كنّا نخسر البلاد. كان علينا المحاولة لإبقاء ما قاتلنا من أجله". من خلال العمل إلى جانب بوتين - الذي كان رئيس جهاز الأمن الروسي الفيدرالي في ذلك الحين - ساعد بوجاشيف على درء هذه التهديدات. في روايته، اقترح بوجاشيف في البداية أن يكون بوتين مرشحاً لتولي منصب رئيس الوزراء، وبعد ذلك طلب من دياشينكو ويوماشيف إقناع يلتسن بالتنحّي. يقول بوجاشيف "أنا شخصياً جلبت بوتين إلى السلطة. لقد عملت ليلاً ونهاراً لمدة تسعة أشهر للقيام بذلك". يقول بوجاشيف "إنه كان يعتقد حينها أن بوتين كان قوة فكرية تقدمية في السياسة الروسية، رجل معروف بتنفيذ الأوامر. لقد كنا بحاجة إلى شخص كان سيعمل على تطوير البلاد لمدة 24 ساعة في اليوم، لكنه يعترف الآن بأن تقييمه الأوّلي لبوتين كان خاطئاً. هذه هي القصة الحزينة. أنا نفسي أشعر بالرعب". كان يعتقد أن بوتين شخص يُمكن السيطرة عليه - رجل جاء من خلفية فقيرة بحيث كان من السهل إبهاره بزخارف الحياة الرئاسية. "قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، عاش معظم حياته في شُقق شعبية. وكان قد بلغ الأربعين من عمره قبل أن يبدأ العمل في مكتب رئيس البلدية. هذا هو السبب في عدم قدرته على التخلّي عن كل هذا الآن - فهو يريد جميع هذه القصور والثروات - لأنه من حيث جاء من قبل، لم يكُن يملك شيئاً". في بداية رئاسة بوتين، قاد بوجاشيف بوتين، عميل وكالة الاستخبارات الروسية السابق، في السيارة إلى مقرّ إقامته الجديد في نوفو أوجاريفو، حيث ظهرت بركة سباحة عرضها 50 مترا. "توسعت عيناه بقوة وأصبحتا مستديرتين. وفهمت أنه لن يحتاج إلى أي شيء آخر في حياته. كنت أعتقد أن هذا سيكون حدود أحلامه، لكن تبيّن أنها مختلفة تماماً. فشهيته لم تكُن تُصدّق". مع قيام حُكّام القِلّة والحلفاء من أيامه في سانت بيترسبورج بالتملّق للرئيس الجديد، بدأ بوتين يتغيّر. يقول بوجاشيف "إن الدائرة الداخلية من رجال الاستخبارات الروسية السابقين من سانت بيترسبورج، أقنعوا بوتين بأن الوقت قد حان لتستعيد الدولة السيطرة على الاقتصاد. بعد هذا الاستيلاء على السلطة من قِبل رجال الاستخبارات الروسية، لم يعُد بإمكاني التأثير في أي شيء بعد الآن، فقد كانوا قد استولوا على السلطة مثل تسونامي". المعركة من أجل النفوذ مع ذلك، بقي بوجاشيف لفترة طويلة قريباً من الرئيس. يقول رجل أعمال روسي كبير "إنه كان صديقاً مُقرّباً من بوتين، حيث كان يدخل ويخرج من الكرملين كما لو أنه منزله". يقول بوجاشيف "إنه اعتقد أنه كان يملك فرصة أفضل للتأثير في السياسة باتخاذ مسار أكثر تقدّمية، إذا بقي في الداخل بدلاً من المعارضة الصريحة". مع قيام زملاء بوتين الأقوياء من وكالة الاستخبارات الروسية بتعزيز قبضتهم، بدأت علاقته بالرئيس الروسي تتعثّر. يُشير بوجاشيف إلى أن بوتين كان يحمل استياءً للرجل الذي وضعه في السلطة: "دائماً ما كان هذا الاحتكاك وعدم الارتياح موجوداً منذ البداية". في حين إن بقية الدائرة الداخلية في الكرملين كانت تنحني لكل كلمة من كلمات بوتين، إلا أن بوجاشيف كان يقول رأيه. أي أن رجل الأعمال الروسي يرى أنه كان "ضحية لسانه". يدّعي بعض المراقبين في موسكو أن بوجاشيف كان يعتمد كثيراً على علاقته ببوتين للفوز بـ "خدمات" تجارية. الإمبراطورية التي حصل عليها بعد صعود بوتين امتدت في روسيا لأكبر أحواض السفن في سانت بيترسبورج، وشركة إنتاج فحم الكوك بمليارات الدولارات في سيبيريا تُدعى إي بي كيه، وبعض من مشاريع البناء الأكثر بروزاً في العاصمة. يذكر بوجاشيف أن ميزبرومب انك كان أكبر بنك خاص في البلاد، قبل أن يُصبح بوتين رئيساً بفترة طويلة، "وأنا لم أطلب أي شيء في المقابل".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES