Author

لا جوع ولا فقر بـ 4 تريليونات دولار

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"ليس للبطن الجائعة أذن تسمع" مثل إنجليزي لا يوجد (ربما) أكثر من الحلول الجاهزة لمسألة الجوع على الساحة العالمية. وهذا ما يجعل المسألة مشينة أكثر منها معضلة. وربما أيضا لم تشهد قضية حضورا لا يغيب عن الساحة، كما تشهد قضية الجوع، حتى عندما نجحت البرامج الدولية في خفض معدلات الفقر في غير منطقة من العالم، وتقليل عدد الجوعى، علما بأن كل الإنجازات التي تحققت في هذا المجال، تبقى دون مستوى الأهداف التي وضعت لمحاربة الفقر والجوع. وهذا الأخير سيبقى حاضرا بلا حلول تطبيقية إلى عقود مقبلة، سواء في أزمة "المسرات" أو "المحن" الاقتصادية، وستظل كما يبدو، قضية مؤجلة دائمة، بصرف النظر عن الحلول الهائلة الجاهزة لها. كما أنها ستواصل فرض حالة الارتياب (المحقة وغير المحقة) على صانعي القرار العالمي. تثبت الإحصاءات الدولية المستقلة وتلك التابعة للأمم المحتدة، حقائق مروعة، بما في ذلك عدد ضحايا الجوع الذين تصل أعدادهم إلى إجمالي أعداد ضحايا أمراض وأوبئة الإيدز والملاريا والسل مجتمعة. صحيح أن عدد الجوعى انخفض في السنوات الماضية من 1.1 مليار نسمة إلى ما يزيد على 850 مليون نسمة، لكن الصحيح أيضا أن شخصا واحدا على الأقل من كل تسعة أشخاص يعاني الجوع حول العالم. والمناطق المصابة بهذه المصيبة تبقى هي.. هي، رغم بعض التحسن في أدائها الاقتصادي بصورة أو بأخرى في السنوات القليلة الماضية، بما في ذلك الاستفادة التي حققتها من برامج الألفية الجديدة، الخاصة بمحاربة الفقر والجوع والأمية والأمراض وغيرها. وبالطبع تتصدر البلدان النامية قائمة المناطق الأكثر جوعا. باتت كل الحقائق حول الجوع معروفة، ولم تعد تشكل معلومات ترقى إلى مستوى الخبر، بما في ذلك بالطبع، الأعداد، والمقارنات والمقاربات، والنسبة السكانية بين الشرائح المصابة بالجوع، وغير ذلك. ولعل الحل الأخير الذي أطلق على الساحة العالمية، يطرح أملا جديدا ما، على الساحة العالمية لحل أزمة الجوع، وتقليل أعداد الجوعى إلى مستويات يمكن للعالم أن يفتخر بأنه أنجزها، بصرف النظر عن المدة اللازمة لمثل هذا الخفض. فأغلبية المشاريع بهذا المستوى تتعرض للتأخير، وهذا أمر طبيعي، المهم أن تمضي قدما لإنجاز الهدف الحقيقي. ولن يغير التاريخ والإنسانية أي فشل جديد آخر على هذه الساحة الحساسة بروابطها الإنسانية، والتصاقها بشرائح ضعيفة وغير قادرة من المجتمعات المصابة بالجوع. تعتقد منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "الفاو"، أن العالم يحتاج إلى أربعة تريليونات دولار أمريكي للقضاء على الجوع في فترة لا تزيد على 15 عاما. أو ما يوازي استثمارا سنويا يصل إلى 267 مليار دولار. وبحسب المنظمة المذكورة، فإن هذا الرقم المطروح يوازي أيضا 160 دولارا في العام الواحد لكل شخص يعيش في الفقر. ربما يمثل التريليون دولار صدمة صوتية للوهلة الأولى، فكيف الحال بأربعة تريليونات دولار؟! إلا أن هذه الصدمة تزول فور إسقاط الرقم على إجمالي الناتج المحلي العالمي. فالتريليونات الأربعة لا تساوي أكثر من 0.3 في المائة من إجمالي الناتج المذكور. ويرى الأمين العام لمنظمة "الفاو" جوزيه غرازيانو دا سيلفا، أن هذا الثمن يعد منخفضا نسبيا لتحقيق الهدف السامي وهو القضاء على الفقر. وبصرف النظر عن رؤية دا سليفا، فيما يتعلق بهذا المبلغ المتدني، فإن البلدان التي تسيطر على صنع القرار الاقتصادي العالمي، يمكنها بالتعاون مع غيرها من بلدان العالم توفير هذه الأموال على مدى عقد ونصف العقد. كما أنها قادرة على تحويل جزء من هذه الأموال إلى مشاريع تنموية مباشرة، توفر دفعا آخر على صعيد الحرب ضد الجوع. ومن النقاط السلبية المتفاعلة، أنه في حال الإبقاء على الوتيرة الراهنة لمكافحة الجوع والفقر، لن تحقق هذه المكافحة شيئا، لأن 650 مليون شخص إضافي سينضمون إلى عديد من الفقراء والجوعى، في الفترة الفاصلة بين الوقت الراهن وعام 2030. هناك كثير من المشاريع التي يمكن أن تحقق إنجازا كبيرا على الصعيد، إذا ما تم دعم القطاع الخاص فيها. فالصيغة القديمة المستندة إلى الدعم الحكومي، لم تعد موجودة أصلا على الساحة. العوائد التي ستأتي من جراء الاستثمار للحد من الفقر والجوع، ستكون كبيرة للغاية، ليس فقط على صعيد الجوع، بل أيضا على الأصعدة الاجتماعية الأخرى، كالتعليم والأمراض والتشغيل والتأهيل، وتوفير الخدمات الإنسانية الأساسية. إنها وصفة ليست سحرية، ولكنها واقعية جدا، بنتائج إيجابية تاريخية هائلة جدا أيضا. لا يمكن استمرار الحديث عن مكافحة الفقر والجوع إلى الأبد، دون أن تتحقق نسبة من الأهداف التي وضعت منذ سنوات بل عقود. وهذه القضية على وجه الخصوص لا يمكن التعاطي معها محليا ولا حتى إقليميا، إنها قضية عالمية إنسانية كبرى، والأهم أنها مسألة باتت قديمة إلى درجة أنها تطرح كوارثها كل فترة زمنية على الساحة العالمية. فمع كل كارثة غير متوقعة أو محسوبة، ترتفع فاتورة علاج الفقر والجوع أكثر، دون أن ننسى التكاليف العاطفية عند كل إنسان يمتلك مشاعر لا دخل لها بالاقتصاد ولا بالسوق.
إنشرها