Author

أعينوا وزارة الإسكان

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
تركز آخر مقالين بعنوان "إلى وزير الإسكان" نشرهما الكاتب في صحيفة "الاقتصادية" الأسبوع الماضي، على أهم سبعة مقترحات لوزارة الإسكان خلال الفترة الراهنة، شملت: (1) الإسراع بإقرار آليات الرسوم على الأراضي البيضاء داخل المدن والمحافظات، التي تجاوزت مساحاتها نصف مساحات المدن الرئيسة. (2) إعادة توجيه عمل صندوق التنمية العقارية عبر الخفض التدريجي لحجم القروض العقارية على الأفراد، مقابل رفع حجم القروض الاستثمارية العقارية للأفراد والمؤسسات. (3) تأسيس لجان عليا للإسكان في المناطق الإدارية الثلاث عشرة، يترأسها أمراء المناطق وعضوية الأجهزة الحكومية ذات العلاقة. (4) تحويل أكبر قدر ممكن من الأراضي الملغى صكوكها والمستردة لدى وزارة العدل إلى وزارة الإسكان (إجمالي مساحة 2.1 مليار متر مربع) لتوفير مخزون كبير من الأراضي لديها. (5) تمويل موارد صندوق التنمية العقارية من متحصلات رسوم الأراضي البيضاء، وتخفيف عبء تكاليفها على الدولة. (6) تمويل مشروعات إسكان شرائح المجتمع محدودة الدخل، من متحصلات زكاة عروض التجارة العقارية. (7) استرداد أراضي المنح الكبيرة، التي لم يتم تطويرها وإعادتها إلى وزارة الإسكان. يؤمل مع هذه المقترحات وغيرها من المقترحات الأخرى المقدمة من قبل عديد من المختصين، أن تتبلور لها الرؤية الشاملة والدقيقة لدى وزارة الإسكان، وأن تترجم بشكل عاجل إلى منجزات عملية على أرض الواقع، وأن تتخلص من التأخير والمعوقات البيروقراطية التي عانتها الوزارة منذ تأسيسها، وأن تسهم تلك الأفكار مجتمعة في الدفع بأداء الوزارة تجاه مهامها ومسؤولياتها الجسيمة، لتصل إلى الهدف المنشود من تأسيسها. ولأن قضية الإسكان قياسا على ما وصلت إليه من تعقيدات، أوصلتها إلى أحد أكبر التحديات التنموية التي يعانيها الاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء، التي تتجاوز في عديد من أوجهها قدرة وصلاحيات وزارة الإسكان، ما يقتضي بالضرورة دعم ومساندة أطراف أخرى خارج الوزارة، إلا أنها على علاقة مباشرة بالقضية، تتوزع مواقعها في القطاعين الحكومي والخاص، وتصل أهمية تعاون تلك الأطراف إلى الدرجة الممكن القول معها؛ إن تأخر تلك الأجهزة عن مساندة وزارة الإسكان، قد يتسبب في تفاقم أزمة الإسكان أكثر مما وصلت إليه، بل قد يتسبب حتى في الوقوف في وجهها ويحد كثيرا من تقدمها، ومن المؤسف أن نتائجه السلبية ستصب على وزارة الإسكان، وستتحمل الوزارة وحيدة مسؤوليتها دون غيرها من بقية الأجهزة ذات العلاقة، كونها الوحيدة الظاهرة في المشهد. لهذا؛ يؤمل أن تنطلق الجهود المشتركة والمتكاملة بين وزارة الإسكان وغيرها من الأجهزة الحكومية وفي القطاع الخاص، من خلال منظومة عمل تضم أعلى قيادات تلك الأجهزة، يتمتع عملها بالمرونة القصوى للتنفيذ، وسرعة اتخاذ القرارات، إضافة إلى سرعة معالجة أي معوقات أو عقبات على طاولة العمل المشتركة، بعيدا عن قنوات الخطابات الرسمية بين مختلف الأجهزة التي تتطلب أوقاتا طويلة، وبعيدا عن الإجراءات البيروقراطية العتيقة التي تستنفد جهودا وزمنا أطول ما يستحق. إنها منظومة العمل التي تستهدف التحول بآليات الأداء المترامي الأطراف بين مختلف الأجهزة المعنية، إلى الأداء داخل غرف عمليات مشتركة، بصورة أكثر فاعلية وكفاءة وإنجاز. هنا أستعرض الجزء الأهم من هذه المنظومة للعمل المشترك والتكاملي، ذلك أن ما أولته وزارة الإسكان الأهمية اللازمة والكافية، فإنها ستصل به إلى المستوى المنشود أو المستهدف، الذي سيوظف الطاقة الكاملة لكل أطرافه سواء من الأجهزة الحكومية أو في القطاع الخاص في اتجاه الأهداف الرئيسة لمعالجة أزمة الإسكان، وسيحفز تحقق الأهداف أولا بأول، ومشاهدتها منجزة على أرض الواقع من قبل الجميع، أؤكد أنه سيحفز أطراف تلك المنظومة على المزيد من الإنجازات والتقدم بمشيئة الله تعالى. فعلى سبيل المثال لا الحصر، تبدأ منظومة العمل من وزارة الشؤون البلدية والقروية، التي سيوفر وجودها دعما رئيسا لوزارة الإسكان، ويجعلها تقف في مواجهة مباشرة مع التحديات الجسيمة التي تواجهها وزارة الإسكان، ويسهل من ثم في أداء المهام والمسؤوليات المتعلقة بها، التي سيجير النجاح بالدرجة الأولى لها ضمن فريق العمل المشترك الذي تشكله منظومة العمل المأمولة هنا، فهي تتحمل مسؤولية إنهاء تراخيص البناء والتشييد والتطوير، وضخ الأراضي الحكومية اللازمة، إضافة إلى دورها المستقبلي في تطبيق الرسوم على الأراضي البيضاء داخل المدن والمحافظات، وعديد من المسؤوليات خارج صلاحيات وزارة الإسكان، وفي حال واجهت أي من الوزارتين معوقات خارج صلاحياتهما، فمن فوائد منظومة العمل هنا، أنها تضم بقية الأجهزة الحكومية المسؤولة عن إنهاء تلك المعوقات وحلها. ثم يأتي الدور الرئيس لوزارة العدل، التي تقع عليها مسؤوليات عديدة لأجل تسهيل مهام عمل المنظومة، بدءا من إثباتات ملكية الأراضي والعقارات، مرورا بتسهيل نقلها وتوثيقها، وانتهاء بأهمية تحويلها للأراضي الملغى صكوكها والمستردة لديها إلى وزارة الإسكان، التي وصل إجمالي مساحاتها حتى منتصف العام الجاري إلى 2.1 مليار متر مربع، وهو ما سيوفر بدوره مخزونا هائلا من الأراضي الصالحة للتطوير والاستثمار. كما يشمل مسؤوليات منظومة العمل هنا، وجود الأجهزة الحكومية المعنية ببيئة الاستثمار والتجارة المحلية، بدءا من وزارتي التجارة والصناعة والعمل والهيئة العامة للاستثمار ومؤسسة النقد العربي السعودي وهيئة السوق المالية، للعمل بصورة عاجلة على فتح قنوات الاستثمار البديلة لسوقي المال والعقار، وتسهيل إجراءات تأسيسها وإنشائها، التي ستسهم بدورها في اجتذاب السيولة المحلية الكبيرة الباحثة عن تلك القنوات الاستثمارية المجدية. لعل من أهم فوائد هذا المقترح والذي يليه؛ أنهما سيسهمان في زيادة كل من تنويع قاعدة الإنتاج وقنوات الاستثمار المحلية، الذي سيوجد بدوره مزيدا من فرص العمل الكريمة للمواطنين، ويحسن من مستويات دخلهم. ويضاف إلى تلك المهام، مسؤولية استمرار تطوير ودعم سوق السندات والصكوك، ولعل من أهم خطوات دعمها قيام الحكومة بتمويل مشروعاتها الرأسمالية الراهنة والمستقبلية عبر إصدار صكوك، الذي سيسهم بصورة سريعة في امتصاص أجزاء كبيرة من السيولة المحلية، الذي بدوره سيخفف من احتقان السيولة المتركزة، سواء في السوق العقارية أو السوق المالية، ويعجل بمزيد من تنفيس تضخم الأسعار، والحد كثيرا في المستقبل من تشكل الفقاعات السعرية في السوق المحلية عموما. وضمن منظومة العمل أيضا؛ تتولى كل من وزارة التجارة والصناعة ومجلس حماية المنافسة حصر ومراقبة: (1) ملكيات الأراضي بمساحات شاسعة، وتطبيق أنظمة الحد من الاحتكار، وإرساء المنافسة في السوق. (2) مراقبة تحركات أسعار الأراضي والعقارات وتكلفة الإيجارات، وأن تطبق بحقها الضوابط النظامية التي تحد من التحكم والتلاعب بها. (3) أن تتولى تنفيذ الإجراءات والعمليات اللازمة للحد من المضاربة وعمليات التداولات العقارية العالية. تستهدف تلك الإجراءات اللازمة ضرب الأسباب الحقيقية للأزمة في عمقها، كما يقع على عاتق وزارة التجارة والصناعة مهمة القيام بالنشر المنتظم لنتائج تلك المهام، ولعل من أهم ما يجب نشره تحركات الأسعار، وإصدار مؤشر دقيق يوضح اتجاهاتها في السوق. كل ما تقدم ذكره، ليس إلا مجرد أمثلة على ما يمكن أن تقوم به منظومة العمل الحكومية والأهلية، التي ستعنى حال تأسيسها بالدرجة الأولى بقضية الإسكان، إلا أنه كما تظهر المؤشرات الأولية هنا، سيتحقق الكثير من العوائد الاقتصادية والاستثمارية والاجتماعية على بيئة الاقتصاد، تتجاوز كثيرا قضيتنا الأولى هنا، وهو ما سيكون له الكثير من المواضيع المنفردة بالطرح في المستقبل القريب ـــ بإذن الله تعالى. والله ولي التوفيق.
إنشرها