المشراق

من أخبار الربابة عند العرب.. وكيف تطور «الكمان»؟

من أخبار الربابة عند العرب.. وكيف تطور «الكمان»؟

الربابة آلة موسيقية منتشرة في أماكن متعددة من العالم، وخاصة في الدول العربية. وقد عرف العرب الربابة قديما، وذكر بعضهم أنها عرفت في القرن الـ 11 الميلادي، وأنها انتقلت من خلالهم إلى الأندلس وأوربا، لكننا نتوقف عند إشارة بعض الباحثين إلى أن الخليل بن أحمد الفراهيدي ذكرها، تقول منى درويش: "تنحدر آلة الكمان من آلة الربابة العربية المعروفة والتي تحدث عنها أغلب علماء الموسيقى العرب مثل: الخليل بن أحمد المتوفى 175هـ 935، الذي ذكر صوت الرباب. كما ذكره كل من الجاحظ، وابن سينا في كتابه الشفاء، وابن زيلة في الكافي، والفارابي في كتابه الموسيقي الكبير". وأشار باحثون آخرون إلى أن أحد تلامذة ابن سينا واسمه الحسين بن زين (ت 440هـ) ذكرها وقال إنها أكثر من غيرها محاكاة للحن. وكل هذا ينسف الرأي الذي يرى أنها عرفت في القرن الـ 11 الميلادي، إضافة إلى أن هناك من أشار إلى أنها عرفت قبل الإسلام وأنها ذكرت في العهد القديم، ويرى بعضهم أن الذي ابتكرها هم قدماء المصريين. إلا أن تحقيق ذلك يترك إلى المهتمين بهذه الأمور. ما يهم ذكره هنا هما نصان مهمان يتعلقان بالربابة، وكلاهما يعود إلى القرن السابع الهجري. أما النص الأول فقد ذكره الإمام العلامة المحدث المؤرخ شمس الدين الذهبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748 هـ)، في كتابه "المشتبه في الرجال: أسمائهم وأنسابهم"، يقول النص والذي يتحدث عن شخص من أهل العراق عاش في بداية القرن السابع الهجري وكان ماهرا في جر الربابة: "الرَّبَابي ممدود بن عبد الله الواسطي، كان يضرب به المثل في معرفة الموسيقى بالرباب، مات ببغداد في ذي القعدة سنة 638هـ". وهذا النص نقله الفيروزأبادي في معجمه "القاموس المحيط "، وعلق عليه ابن ناصر الدين في "توضيح مشتبه النسبة"، كما أورده الزبيدي في "تاج العروس" بزيادة سنة الوفاة عما أورده الفيروزأبادي. ويبدو لي أن الذهبي قد أخذ هذا النص من أحد من سبقه في التأليف في المشتبه، أو من أحد المؤرخين. ومن هذا النص يتبين لنا أن الربابة كانت مستخدمة في أوائل القرن السابع الهجري، وكانوا يسمون من يجرها بالربابي. لكن أحد الباحثين يشير إلى أن الرباب غير الربابة، بينما يرى الأغلبية أنهما الشيء نفسه. أما النص الثاني فقد ذكره أبو محمد عفيف الدين عبد اللّه بن أسعد اليافعي اليمني الشافعي (ت 768هـ) في تاريخه "مرآة الجنان، وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان" في حوادث سنة 683 هـ، حيث ذكر في حوادث هذه السنة وفاة ملك العرب الشهير عيسى بن مهنا، وأثنى عليه، ثم أشار إلى قصة طريفة وقعت مع بعض قوم عيسى بن مهنا، وفي هذه القصة ذكر للربابة. يقول اليافعي: "وفيها توفي عيسى بن مهنا ملك العرب بالشام، ورئيس أهل الفضل؛ كانت له المنزلة العالية عند السلطان، وصيت شائع في البلدان قلت: ومن صيته الشهير والتفخيم له والتعظيم ما وقع له من بعض قومه في بعض الأيام، وفلك أني كنت يوما مارا إلى القرافة، فلما بلغت تحت قلعة السلطان، رأيت جماعة كثيرين مجتمعين على شيء، فاستشرفت نفسي إلا الإطلاع على ذلك الشيء، فإذا هو رباب يسمعها عرب مهنا من واحد منهم، فلما دنوت منهم أنكرت، فقلت له: اسكت فما سكت به صاحب الرباب، وعرفت أنه لا يلتفت إلى قولي لكوني فقيرا حقيرا لا أعرف في ذلك المكان، وهم وفد عزيز كريم على السلطان، فهولت عليه بالصياح في قولي له اسكت مع تكرير هذه الكلمة حتى أوهمته أن لي شوكة فرفع رأسه إلي وسكت، فقلت له: أما علمت أن هذا الفعل حرام؟ فقال: من حرمه؟ فقلت: الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: إلا على آل عيسى، فعجبت من قوله، وشدة جهله، وعرفت أن ما لعلته طبا شافيا، ولا طبيبا مداويا، فذهبت وخليتهم. توفي عيسى المذكور في الربيع الأول، وقام بعده ولده الأمير حسام الدين مهنا صاحب تدمر". وقول الأعرابي: "إلا على آل عيسى " يقصد قبيلة ابن مهنا، أو أسرته، وهذه الطريقة في التفكير النابعة عن جهل تتكرر عند بعض الأعراب عبر الأزمان المختلفة، وفي أماكن متعددة، وأذكر أني قرأت في رحلة الرحالة الأمريكي وليم سيبروك أنه نزل عند أحد شيوخ القبائل في الأردن، فلما حان وقت الصلاة صلى الشيخ وحده، فسأل سيبروك جماعة الشيخ لماذا لا يصلون؟ فأجابوه بأن صلاة الشيخ تجزيهم وتكفيهم. وفي رحلة أحمد محمد حسنين باشا إلى ليبيا، أورد قصصا مشابهة، منها ما يتعلق بصوم رمضان. وأذكر أني قرأت خبرا مفاده أن قوما من إحدى القبائل ظلوا حتى القرن الثالث الهجري لا يصلون صلاتي العشاء والفجر لأن مسيلمة الكذاب أسقطها عن قوم سجاح مهرا لها فيما يذكر. وقد شكك بعض الباحثين ومن بينهم الزركلي في ترجمته لمسيلمة في "الأعلام" في صحة كثير من القصص والأشعار التي تنسب لمسيلمة الكذاب. وهناك قصيدة نبطية لشاعر من شمال الجزيرة العربية يقول فيها إن تعلم الدين ودراسته مقتصر على الحضر فقط: الدين يصلح للذي مهنته غرس راعي قليب دبّر الحب صاعه وللأعراب نوادر كثيرة فيها طرافة وغرابة، بعضها ينم عن شدة ذكاء، وبعضها عن جهل مدقع، وبعضها يدل على ظرف وخفة ظل، وقد ألف راوية العربي الأصمعي كتابا في نوادر الأعراب، كما ألف بعض المعاصرين كتابا بالاسم نفسه. وعيسى بن مهنا سالف الذكر أمير طائي من آل فضل، جليل القدر، كبير الشأن، يسمونه ملك العرب، كانت له حظوة عند السلاطين، يجلّونه ويكرمونه، وقد أسهب المؤرخون في ذكر أخباره، ولأسرته إمارة كبيرة على البادية في الشام ووصلت إلى نجد ومناطق أخرى.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من المشراق