Author

الاستدامة لا تتحدث العربية

|
التقدم الحقيقي لحضارات الشعوب يقاس بمدى تفاعلها مع الحضارات والعلوم الأخرى، وإذا سلمنا بالقول إن الترجمة المقياس الأهم لحركة التفاعل، كما أنها أحد روافد تقدم العرب في العصور الماضية، التي بدأت بترجماتهم لكتب الحضارات المختلفة، وترجمة المستشرقين بعد ذلك لإنتاج العلماء العرب. وبالنظر إلى حركة الترجمة في مجال الاستدامة، ومنذ ظهورها كمصطلح مرادف لاستمرارية الرخاء والنمو في ثمانينيات القرن الماضي، واعتبارها اللاعب الرئيس في حركتي التنمية الاقتصادية والبشرية، إلا أن ضعف المحتوى العربي للاستدامة، سواء في حركة النشر أو على صعيد وجودها كلغة أخرى في المواقع العالمية المتخصصة، أسهم في ظهور احتياجات أو تعريفات لا تتوافق مع منهجها الصحيح، وبالتالي التأثير سلبا على مخرجات الجهود التي يتم تبنيها في هذا الإطار. ولوضع النقاط على الحروف لابد أولا من الإشارة إلى الفقر المدقع الذي يعانيه المحتوى العربي في مجال الترجمة بشكل عام وضعف حركة الترجمة إلى اللغة العربية لأمة تقارب 400 مليون نسمة، ويبلغ إجمالي الناتج المحلي لها قرابة 2800 مليار دولار، بينما تشير تقارير دولية سابقة إلى أن حركة الترجمة في العالم العربي بكامله أقل من حركة الترجمة في اليونان إلى اليونانية، التي يبلغ عدد متحدثيها 13 مليون نسمة فقط، بمعدل 1 إلى 5 كتب، ما أفضى إلى قرع الأمم المتحدة جرس بناء مجتمع المعرفة كأهم تحديات العالم العربي، وقس عليه ضآلة المحتوى المتداول لأبجديات الاستدامة باللغة العربية قياسا إلى حجم المحتوى العربي بشكل عام. المطلوب اليوم هو وجود جهات مهتمة باقتصاد المعرفة تسعى إلى تبني مبادرات موسوعية لتعريب المحتوى والاهتمام بأولويات الترجمة كخطوة أولى، ولعل مجال "الاستدامة" على رأس هرم الأولويات لأهميتها الاستراتيجية في خطط بناء المجتمعات والمحافظة على مكتسباتها. وفي رأيي بات من الضروري النظر إلى المساهمة في مسار الاستدامة من منظور جديد، وأن يصبح "المحتوى العربي للمسؤولية الاجتماعية للشركات" أو "استدامة الشركات" أحد برامج الاستدامة التي يجب أن تتبناها الجهات التي لها علاقة بالتنمية البشرية أو النشر والتأليف أو الأبحاث. خلاصة القول إننا اليوم بحاجة حقيقية إلى أن تجيد الاستدامة التحدث باللغة العربية وبطلاقة تامة تحميها من متطفلي التنظير والاجتهادات الضارة لمبادرات وبرامج وأدبيات "المسؤولية الاجتماعية للشركات".
إنشرها