Author

وزير الإسكان الجديد.. ومعالجة «الكساد العقاري» المصطنع

|
أعدت مشاهدة حلقة عنوانها "العقار والإسكان في السعودية" أجراها راشد الفوزان في برنامجه "بموضوعية" على قناة "سي إن بي سي" عربية مع ماجد الحقيل وزير الإسكان منذ أكثر من ثلاثة أشهر حينما كان رئيس لجنة المطورين العقاريين في الغرفة التجارية في الرياض والعضو المنتدب والرئيس التنفيذي لشركة رافال للتطوير العقاري لأتذكر إجاباته التي شدتني آنذاك فيما يتعلق بصناعة العقار بشكل عام والمشكلة الإسكانية بشكل خاص. نعم لقد شدني ما قاله بشأن المشكلة الإسكانية، حيث بيّن أنه لا مشكلة إسكانية قائمة حاليا لكون الجميع يسكن بيتا سواء كان ملكا أو إيجارا أو مع والده، وأن المشكلة الإسكانية تتجلى حينما ترى الناس يسكنون العشوائيات وعندما يبحث رب الأسرة عن السكن للشراء أو الإيجار ولا يجده وقال إن ما لدينا حاليا هي مشكلة تملُّك تتضارب الأرقام بشأنها ورجّح أن نسبة التملك الحالية تصل لنحو 60 في المائة، متوقعا أنها ستنخفض تدريجيا في حال عدم حل مشكلة القدرة الشرائية للمواطنين بالتزامن مع معالجة ثقافة الإسكان لدى المواطن من جهة مساحة المسكن ومساحة البناء والمكونات ومن جهة عدد المساكن التي يقطنها المواطن خلال مدة حياته. في هذه المقابلة يرى الحقيل أن العقار يمر بمرحلة ركود مصطنعة بفعل حملات إعلامية قادتها وزارة الإسكان فيما مضى أدت إلى عزوف المطورين عن تطوير المساكن خشية عدم قدرتهم على تسويق منتجاتهم التي تتطلب سنتين إلى ثلاث سنوات ليتم تطويرها وبيعها بالأسعار المستهدفة، وحذر في الحلقة من انخفاض كبير في العرض مقابل الطلب ما لم يتم تدارك ذلك وتطمين المطورين ودعمهم بالمحفزات ومعالجة العوائق التي تعترضهم، مؤكدا أن سعر الأراضي ليس العائق الوحيد أمام تملك المواطنين المساكن، مبينا أن دولا أخرى كالكويت والإمارات تصل فيها نسبة تكلفة الأرض إلى تكلفة المسكن من 50 إلى 80 في المائة، وأنه لا يمكن أن نقول إن سعر المسكن غال مقارنة بالدول الأخرى لاختلاف المعطيات وإنما يمكن أن نقول إن السعر غال نسبة إلى القدرة الشرائية السائدة. وأقول مما لا شك فيه أن وزارة الإسكان في السنوات التي مضت قبل إعفاء الوزير شويش الضويحي يمكن أن يقال إنها "لا سوق أبقت ولا مشكلة حلت"، نعم لقد ركزت المشكلة في أسعار الأراضي "وهي تعلم أنها مع الوقت ستنخفض طبيعيا كما حصل في الدورات السابقة" وتمحورت بجهودها حول ذلك حتى أدخلت السوق العقارية في فترة كساد مصطنعة رغم حجم الطلب الهائل، حيث عزف المطورون عن التطوير خشية نزول الأسعار السريع والخسارة كما تحركت مؤسسة النقد بإجراءات احترازية بزيادة مقدم شراء المساكن لـ 30 في المائة وهي نسبة لا يمكن للطبقة المتوسطة القادرة على دفع الأقساط أن توفرها، حيث تصل أحيانا لأكثر من 500 ألف ريال وهي قيمة قرض البنك العقاري الذي يطول انتظار المواطنين للحصول عليه في ظل الطلب الكبير والمتنامي على القرض العقاري. القطاع العقاري ليس كبقية القطاعات فهو الأكبر من حيث الحجم وهو القطاع الأكبر القادر على تعزيز قوة السوق المالية وتحريك السيولة النقدية بين القطاعات كما أنه القطاع الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بحياة الإنسان النفسية والاجتماعية والاقتصادية وهو القطاع الأكبر القادر على توظيف أعداد كبيرة وتنمية الأنشطة الاقتصادية الأخرى، وبالتالي تنظيمه وتحفيزه وتنشيطه قضية مهمة وحيوية وركوده يؤدي بالتبعية لمشكلات متعددة منها الركود الذي يصيب القطاعات الأخرى كالمقاولات ومواد البناء والتمويل العقاري وأسواق المال وأسواق الجملة والتجزئة وشركات الإعلان والإعلام والوسائل الإعلامية والإعلانية وغيرها، ولذلك تحرص جميع الدول الواعية على نشاط القطاع العقاري وحمايته من الركود في الأحوال كافة. أجزم أن السوق العقارية ستنضبط بجميع مكوناتها بما في ذلك أسعار العقارات إذا تركت تعمل وفق قواعد السوق وقامت الدولة بتحفيزها بعديد من الطرق منها زيادة المعروض، ومقاومة الاحتكار، وتمويل المطورين المحترفين، ومعالجة الأنظمة البلدية المعيقة ومكنت المطورين من إنتاج جميع أنواع الوحدات السكنية التي سيقبل بها المواطن حسب وضعه المالي والأسري لتتحول ثقافة مسكن العمر إلى مساكن العمر كما هو الوضع في الدول الأخرى، حيث متوسط المساكن التي يسكنها المواطن خلال حياته من ثلاثة إلى خمسة مساكن، حيث يبدأ بشقة صغيرة يزداد حجمها بزيادة الدخل وعدد أفراد الأسرة ثم تقل عند التقاعد كما يتحول المسكن من مأوى فقط إلى أداة ادخار واستثمار كما هو الوضع في الدول الرأسمالية المتقدمة التي نقتفي أثرها في القضية الإسكانية. قضية معالجة كساد السوق العقارية المصطنع سيواجه خلالها الوزير الحقيل مقاومة شديدة من الرأي العام الذي رسخ في وعيه العام أن الرسوم هي الحل الوحيد وأن الحكومة هي الممول الوحيد وعليها أن تحل المشكلة الإسكانية بالمزيد من الإنفاق والضغط على العقاريين، وبالتالي مهمة معالجة الكساد العقاري ذي الآثار السلبية المتعددة في القضية الإسكانية وغيرها مهمة ليست سهلة كما يبدو لي ما لم تتم معالجة المزاج العام السائد بالمزيد من الوعي حول ضرورة معالجة صناعة العقار وتطويرها وتنمية قدرات المطورين والمقاولين، وتوفير التمويل اللازم لرفع القدرات الشرائية للمواطنين، وتحويل الثقافة الإسكانية لما يتلاءم والأوضاع المدنية السائدة. هذا يتطلب جهدا مدروسا يستند لدراسات علمية دقيقة حديثة شاملة تتم مناقشة مخرجاتها من خلال ورش عمل يشارك فيها جميع المعنيين في أجواء يسودها العقل والمنطق لا التشنج والعاطفة والآراء المسبقة. ختاما أقول إن معالجة الكساد العقاري المصطنع قضية مهمة وحيوية لحل المشكلة الإسكانية ولتنشيط الاقتصاد الوطني بجميع قطاعاته. أتطلع إلى أن يلعب الوزير الحقيل دورا كبيرا في ذلك ليسهم القطاع العقاري في توفير المساكن الجيدة المتناولة كما يسهم في تنمية الاقتصاد الوطني في الوقت ذاته.
إنشرها