Author

قوة الطلب الآسيوي قلصت فائض الإمدادات

|
قبل نحو عام من الآن، بدأت أسعار النفط رحلة التراجع الطويلة إلى حد كبير نتيجة ارتفاع فائض إمدادات النفط العالمية وضعف الطلب. على ما يبدو أن استراتيجية منظمة أوبك في الحفاظ على مستوى الإنتاج والسماح بتراجع أسعار النفط لدعم الطلب العالمي على النفط قد آتت ثمارها. حيث ارتفع الطلب العالمي على النفط بقوة في النصف الأول من هذا العام مدعوما بانخفاض الأسعار وقوة الاقتصاد في البلدان الرئيسة الذي عزز استهلاك المنتجات النفطية، خصوصا في الصين والهند إضافة إلى الاتجاهات القوية التي شهدها الطلب في الولايات المتحدة حتى الآن من هذا العام. لقد ارتفع الطلب العالمي على النفط في النصف الأول من عام 2015 بنحو 2.3 مليون برميل في اليوم على أساس سنوي – هذا يمثل قفزة كبيرة مقارنة بمتوسط نمو الطلب خلال السنوات الخمس الماضية المقدر بنحو 1.4 مليون برميل في اليوم (حسب نشرة برتش بتروليوم) – والطلب الآسيوي كان عنصرا رئيسا من هذا النمو. الطلب على النفط في الصين والهند فقط ارتفع بأكثر من مليون برميل في اليوم في النصف الأول من عام 2015، ما ساعد على تخفيف فائض إمدادات النفط الحالي وأكد أيضا أهمية تأمين موطئ قدم في الأسواق الآسيوية، وخصوصا بالنسبة للمنتجين في منطقة الشرق الأوسط الذين يتطلعون إلى زيادة إنتاجهم. في البداية كان من المتوقع أن يكون تأثير انخفاض الأسعار في نمو الطلب العالمي على النفط محدودا، لكن البيانات الرسمية التي بدأت تنشر تباعا أظهرت أن الطلب يتقدم بفارق كبير عن التوقعات السابقة. على غير المتوقع نما الطلب الظاهري على النفط في الصين – الذي يمثل معدل تشغيل المصافي زائد واردات المنتجات ناقص صادرات المنتجات – بأكثر من 650 ألف برميل في اليوم منذ بداية العام حتى شهر حزيران (يونيو) ليصل إلى أقل من 11 مليون برميل في اليوم، على الرغم من التحذيرات المتكررة بأن الطلب على النفط في الصين قد يضعف. في هذا الجانب، حذر بعض الاقتصاديين من أن نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني آخذ في التقلص، لكن معدلات النمو الرسمية تشير إلى أن الاقتصاد الصيني ينمو بمعدل 7 في المائة سنويا، في حين حتى مع تقديرات معدل نمو أقل بين 5 و 6 في المائة لا تزال فرصة كبيرة لزيادة استهلاك النفط. إضافة إلى ذلك، معظم الزيادة في استهلاك النفط الصيني أتت من المنتجات الخفيفة، ما يشير إلى أن ارتفاع الطلب كان إلى حد كبير نتيجة التحول نحو الاستهلاك المحلي، وبعيدا عن القطاع الصناعي، حيث إن الطبقة المتوسطة المتنامية تشتري المزيد من السيارات. على سبيل المثال ارتفع استهلاك البنزين بنحو 9 في المائة ووقود الديزل بنسبة 3 في المائة، في حين أن النمو في وقود الطائرات والغازات البترولية المسالة كان أكثر من المخطط. من ناحية أخرى، انخفض استهلاك زيت الوقود بنسبة 8.5 في المائة، حيث إن الصين مستمرة في إغلاق المصافي الأقل كفاءة التي تستهلك زيت الوقود كلقيم (مادة أولية). لكن على الرغم من أن البيانات عن الطلب في الصين متفائلة وتشير إلى إمكانية إعادة التوازن إلى أسواق النفط وخفض فائض الإمدادات، إلا أنها في الوقت نفسه تنطوي على عدم يقين كبير، نظرا لعدم دقة بيانات حركة المخزون النفطي. أحد الاختلافات المهمة هو أن الأرقام المنقحة للأشهر الستة الماضية فقط تحدد الطلب الظاهري على النفط في الصين، ولكن هذا يمكن أن يكون مضللا، لأن بعض المنتجات التي تنتجها المصافي قد تذهب إلى المخزون بدلا من أن يتم استهلاكها. في هذه الأثناء، حلت الهند محل الصين باعتبارها أسرع الأسواق نموا هذا العام، وقد تحتل قريبا مركز اليابان وتصبح ثاني أكبر مستهلك للنفط في آسيا. الطلب الهندي في النصف الأول من هذا العام يعد الأعلى منذ ما يقرب من عقد من الزمان، حيث ارتفع بنحو 350 ألف برميل في اليوم نتيجة قوة النشاط الاقتصادي المدعوم من قبل الحكومة الجديدة. هذا وقد شكل نمو الطلب من قطاع النقل الجزء الأكبر من هذا الارتفاع. وقد لعب الطلب على النفط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لمنطقة آسيا - وخصوصا في اليابان وكوريا الجنوبية - دورا مساندا. خلاف التوقعات التي تشير إلى التراجع المزمن في الاستهلاك، استقر الطلب بدلا من ذلك هناك، حيث إن النمو الأقوى من المتوقع في كوريا الجنوبية عوض عن التراجع المستمر في اليابان. إذا نظرنا للوراء إلى الأزمة المالية التي عصفت بأسواق المال في معظم مناطق العالم عام 2008- 2009، نلاحظ أن المكاسب التي حققها الطلب الآسيوي تبدو مؤثرة أكثر. منذ ذلك الحين، أضافت الصين والهند معا أكثر من 4.6 مليون برميل في اليوم إلى الاستهلاك العالمي للنفط، أو 3.6 و 1.0 مليون برميل في اليوم على التوالي. قد تكون أرقام النمو الفعلية أعلى، لو أخذنا بنظر الاعتبار النفط المطلوب لملء وتشغيل البنى التحتية الجديدة من أنابيب، خزانات، ومصافٍ. أضف إلى ذلك النفط الخام الداخل إلى المخزون الاستراتيجي.
إنشرها