Author

أين ذهبت 208 آلاف شركة ومؤسسة سعودية؟

|
تبدو الأرقام متناقضة إلى حد بعيد فيما يتعلق بوضع العمالة الوافدة في المملكة، فبينما انخفض عدد الشركات والمؤسسات العاملة في السعودية التي وفرت خدمات رعاية صحية لعامليها بنهاية العام الماضي 2014، بنحو 208 آلاف شركة سعودية بنسبة 37 في المائة (356.9 ألف شركة ومؤسسة عام 2014، مقابل 565.3 ألف شركة ومؤسسة بنهاية عام 2013) وذلك بحسب بيانات صادرة عن مجلس الضمان الصحي السعودي التي أكدت أيضا أن عدد الوافدين (أجانب) المشمولين بخدمات الرعاية الصحية في السعودية بلغ بنهاية عام 2014، نحو 7.8 مليون وافد، مقارنة بـ 7.3 مليون وافد بنهاية عام 2013. وهكذا يبدو من الأرقام أنه بينما كان الاقتصاد السعودي يخسر 208 آلاف شركة ومؤسسة كانت عاملة في السعودية ومع ذلك فإن عدد العمالة في ازدياد حيث أضافت السوق 500 ألف وافد جديد، ولهذا تبدو هذه الأرقام غير متطابقة ظاهريا. كما أظهر تقرير لـ "الاقتصادية" أنه وفقا لآخر تقديرات مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات السعودية، فإن عدد الأجانب "ومن بينهم أسر العاملين" في المملكة يبلغ 10.07 مليون نسمة بنهاية 2014، بما يعني أن 23 في المائة من الأجانب في السعودية غير مسجلين في خدمات الرعاية الصحية بنهاية عام 2014 "وإذا كانت إحصائيات وزارة العمل تشير إلى أن عدد العمالة المنزلية يقدر بـ 1.3 مليون نسمة وهناك 72 ألف موظف أجنبي في الجهات الحكومية وهم جميعا غير مسجلين في التأمينات الصحية، فإن هناك ما يقرب من مليون نسمة غير مسجلين في التأمينات". نحن نحتاج فعلا إلى فهم الاقتصاد السعودي من خلال أرقامه الفعلية، من خلال ما يحصل على أرض الواقع وليس من خلال قراءة سطحية لحركة السوق المالية وأسعار النفط. هناك تراجع في الشركات التي قدرت طلبات لخدمات الرعاية الصحية وفي الوقت نفسه زاد عدد العمال الوافدين، فما الأسباب خلف هذه الظاهرة المتعاكسة؟ كان من المفترض ـــ منطقيا ـــ أن ازدياد العمال زيادة فرص العمل وهذا يعني أن الاقتصاد ينمو، وهذا أيضا يدل على أن عدد الشركات العاملة قد تزايد لكن الظاهر هو العكس فعليا، فبينما يعاني الاقتصاد السعودي تراجع أسعار النفط، وهناك ضغط حكومي قوي حول الاستقدام والعمالة وهناك تعثر واسع في المشاريع، كل هذا انعكس بشكل طبيعي حول ظاهرة انحسار عدد الشركات، لكن أن يتسبب في زيادة العمالة الأجنبية، فإننا أمام مشكلة اقتصادية تحتاج إلى مزيد من التحليل والتأمل. من المناسب أن نشير هناك إلى أن معدلات البطالة في المملكة قد تزايدت وهذا يتناسب مع ظاهرة خروج 208 آلاف شركة من السوق، لكن هذا لا يتناسب مع ظاهرة زيادة عدد العمالة الوافدة إلا إذا قلنا إن هناك إحلالا وتركيزا في السوق. بمعنى أن الاقتصاد السعودي بدأ يخرج من مسار التنويع الاقتصادي إلى مسار تركز الشركات والمؤسسات في صناعات معينة. هذه الصناعات لا تتناسب مع مؤهلات الشباب السعودي أو أنه لم يعد لمثل هذه الصناعات؛ بل انخرط في فترة الطفرة الماضية في صناعات ومؤسسات لم تجد لها سوقا فخرجت تباعا من السوق، ولهذا خسر الشباب السعودي أعمالهم فيما اتجهت العمالة الأجنبية نحو تلك القطاعات التي حدث تركيز اقتصادي تجاهها. ومع ذلك فإن الدليل المتوافر لدعم هذا التنظير غير كاف ونحتاج إلى مزيد من الفهم حول الأسباب الحقيقية خلف خروج هذه المؤسسات من السوق؟ وما القطاعات التي عملت فيها؟ وكم حجم العمالة التي خسرت أعمالها؟ وأين اتجهت فعلا؟ مثل هذه الدراسات ستضيء الطريق أمام متخذ القرار لفهم توجهات الاقتصاد السعودي وأخطار توجهات رأس المال الحالية.
إنشرها