Author

لماذا فشلت خطة إنقاذ اليونان؟

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا
بوادر أزمة سداد الديون اليونانية بدأت ملامحها تظهر بوضوح، إثر الأزمة المالية العالمية عام 2008. تعاونت جهات كبرى على رأسها البنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي، فوضعت ما يمكن اعتباره خطة تلخص في جزأين الأول حزمات إنقاذ بدأ تطبيقها في عام 2010، والثاني خطط إصلاح أو إعادة هيكلة للاقتصاد اليوناني، يشكل التقشف ركنا أساسيا من أركانها. ويعتمد نجاح التقشف أكبر ما يعتمد على خفض عجز الميزانية، عبر خفض الإنفاق الحكومي وزيادة الإيرادات. لماذا فشلت الخطة؟ أي برنامج إصلاح اقتصادي بنيوي أي هيكلي، لا بد أن تتأثر به طبقات المجتمع. والإصلاح المعتمد على التقشف يعني على المديين القصير والمتوسط خفضا في مستوى المعيشة للناس، من حيث المتوسط. وهذا صعب قبوله من عموم الناس. في اليونان وأمثالها، تبدأ الأحزاب وأطراف وطبقات وفئات المجتمع في تبادل الاتهامات في تحميل مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع، ومن ثم تختلف الرؤية في كيفية الإصلاح. ومن ثم فمن الصعب تنفيذ برنامج إصلاح تكيف بنيوي ناجح دون بناء قناعة لدى غالبية الشعب اليوناني، حتى لو حصل تفاهم وتوافق بين الأطراف المتفاوضة. من المهم أن يعرف أن الإصلاح البنيوي أو الهيكلي لا بد منه، ودون هذا الإصلاح لا يتوقع أن يتجه الاقتصاد إلى تحقيق استقرار فنمو مستدام يسهم في خفض العجز في الميزانية خفضا بينا. ذلك لأن فرصة منح قروض إضافية لها حدود لا بد أن تتوقف عندها. طبعا كان لعضوية اليونان في منطقة اليورو مزية في حصولها على أموال، لكن لكل شيء حدودا. في المقابل تلك العضوية لا تعني أن اليونان دولة دون سيادة. تلك السيادة منعت من تحقيق إصلاحات كما كان يفترض. برامج الإصلاح الاقتصادي إذا لم تقترح أو على الأقل تدعم محليا وشعبيا فمن الصعب نجاحها. أثبتت وقائع كثيرة جدا صحة تلك العبارة عبر عقود من الزمن. وقعت اليونان تحت تجاذبات عميقة في التنظير الاقتصادي بين الأحزاب اليمينية واليسارية. فاليساريون كما هو معروف، ينظرون بعين الربية ولا شك لبرامج الإصلاح الاقتصادي ذات الطبيعة البنوية أو الهيكلية. وتبعا لهذه النظرة، يرون أن مصادر الإقراض الكبرى أو الدولية كصندوق النقد الدولي أدوات أو أسرى للعولمة، وحركة ما يسمى في أدبيات الاقتصاد التحرير الاقتصادي، أي إعطاء مزيد من الدفع لما يسمى اقتصاد السوق، على حساب ما يرونه مصالح غالبية الناس. أما اليمينيون فيرون العكس: مطلوب خفض التدخل الحكومي في توجيه دفة الاقتصاد، لما يرون أن زيادته تجلب ضعف قدرته على الرسوخ الاقتصادي وتلبية احتياجات ورغبات الناس على المدى البعيد. وحتى لا يساء الفهم، فالكلام هنا لا علاقة له بتدخل الحكومة لمحاربة الغش وتضليل المستهلك ونحو ذلك. التوجه في الأدبيات الاقتصادية ذات الطابع المذهبي لا ينكر مخاوف اليساريين من أساسها، وإنما يرى أن المبالغة صارت طابعا عند ذوي التوجه اليساري في فهم حركة الاقتصاد. تلك المبالغة لا تفيد الناس في رفع مستوى معيشتهم على المدى البعيد. في المقابل من الخطأ تجاهل أن التحرير يحمل عيوبا. بمعنى آخر، التوجه العالمي يسير أكثر نحو تبني سياسات أكثر مرونة تجاه التدخل الحكومي، ومن ثم اتسعت المطالبة بتحرير نسبي لقطاعات ومكونات الاقتصاد. وسوق العمل مثال واضح لهذا التوجه. ويعتقد على نطاق واسع أن التفوق الاقتصادي الأمريكي على الاقتصاد الأوروبي يعتمد ضمن ما يعتمد على كون سوق العمل الأمريكية أكثر مرونة. على سبيل المثال، فصل موظف الشركة أسهل في أمريكا عنه في أوروبا. تلك المرونة تعني أنه ينبغي ألا ينظر إلى التدخلات بمنظار حاد: أبيض أو أسود. ومن ثم من الممكن أن يكون النظام الضريبي أكثر عدلا، دون أن يتطلب ذلك مثلا زيادة العبء الضريبي. معان أخرى للمرونة المنادى بها لإنقاذ الوضع يوضحها السؤال التالي: هل على الحكومة الاقتراض وصب مزيد من المال لتعويض خسائر في القطاع الخاص كما حصل جزئيا في الأزمة المالية العالمية، حينما أقدمت دول على مساعدة القطاع المصرفي أم أن الأفضل هو شطب تلك الخسائر ليتحمل المتسبب نتيجة عمله؟ الجواب المختار في الشطب بدلا من التغطية. الرسالة لم تكن مقنعة في اليونان، ومن ثم لم تنجح الخطة.
إنشرها