Author

تحسن الريال أمام العملات .. لماذا ارتفعت الأسعار؟

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
ارتفع الريال أمام العملات الرئيسة خلال الفترة 2011-2015 بنسب بلغت في المتوسط نحو 23.0 في المائة، في المقابل شهدت أسعار السلع والخدمات في السوق المحلية ارتفاعات متواصلة، غير عابئة بالتحسن الذي طرأ على قيمة الريال أمام العملات الرئيسة. بل إن الأمر يصبح لافتا جدا بالنظر إلى نسب ارتفاع قيمة الريال أمام الين الياباني خلال الفترة نفسها، بنسبة قياسية وصلت إلى 36.3 في المائة (فقد الين أكثر من ثلث قيمته أمام الريال)، وارتفع الريال أمام اليورو للفترة نفسها بنسبة 25.2 في المائة، وأمام الروبية الهندية بنسبة 30.4 في المائة، وأمام الريال البرازيلي بنسبة قياسية فاقت 48.7 في المائة! ولنكون على بينة من هذه القضية اللافتة هنا؛ ارتفع التضخم تراكميا خلال الفترة 2011-2015 بنسبة 15.3 في المائة، وأتت نسبة الارتفاع الأكبر في أسعار السكن والمياه والكهرباء للفترة نفسها بنحو 27.0 في المائة، ثم تأثيث وتجهيزات المنازل بنسبة 22.4 في المائة، فالترويح والثقافة بنسبة 22.2 في المائة، فالأغذية والمشروبات بنسبة 20.8 في المائة! وبإضافة عامل انخفاض الأسعار العالمية إلى عديد من السلع الغذائية والمواد الأولية، فلا شك أن المفارقة وفق هذا المنظور العام، ستأخذك بعيدا جدا إلى أعلى درجات الحيرة والتعجب من هذا المشهد المحلي الذي يكابده مجتمع المستهلكين! ودون الأخذ في الاعتبار هذا العامل الأخير؛ فنحن أمام محصلة نهائية ومفارقة لافتة لارتفاع قيمة الريال مقابل ارتفاع تكاليف المعيشة محليا، يمكن أن تقرأ بلغة الأرقام والتغيرات النسبية أعلاه تتجاوز نسبتها النهائية فارقا نسبيا تتجاوز قيمته 38.3 في المائة! فيا ترى ما الأسباب وراء هذا التناقض الذي يدفع ثمنه بصورة أكبر من غيره المستهلك؟! إن استقراء الأوضاع محليا يكشف عن أمر طالما تم الحديث عنه في عديد من الطروحات الاقتصادية، المتمثل في انتشار أشكال وصور الاحتكار في عديد من جوانب السوق المحلية، وهو تفسير يمكن قبوله في الأجزاء من السوق المحلية التي يسيطر عليها الاحتكار، سواء احتكار كبار التجار، أو الاحتكار الذي يقف وراءه عدد من جنسيات العمالة الوافدة المسيطرة على عديد من النشاطات التجارية محليا، وذلك عبر ما اصطلح عليه باقتصاد الظل! إلا أن ذلك التفسير قد يتوقف حائرا أمام الأنشطة التي لا تعاني شبح الاحتكار، بل قد تجدها تتمتع بالمنافسة اللازمة، وهنا يستمر التساؤل لماذا تورطت تلك النشاطات الجزئية من السوق المحلية في تضخم أسعار سلعها وخدماتها، ولم تنعكس كما تقتضي التطورات الأخيرة بتحسن قيمة الريال عليها؟! ارتفع متوسط سعر المتر المربع لقطع الأراضي (تجاري) خلال الفترة 2011-2014 بنسبة 209.7 في المائة، ارتفع متوسط سعر المتر المربع لقطع الأراضي (سكني) خلال الفترة نفسها بنسبة 161.4 في المائة، وارتفعت أيضا أسعار المساكن بمختلف أنواعها للفترة نفسها بنسبة 59.4 في المائة، وانعكست تلك الارتفاعات القياسية على الإيجارات السكني والتجاري على حد سواء بنسب أعلى من تلك المسجلة لأسعار بيع مختلف الأصول العقارية، راوحت تلك النسب بين 150 و200 في المائة، بل إنها تجاوزتها في عديد من المواقع التجارية التي تشهد إقبالا سوقيا أعلى من غيرها من قبل المستهلكين. انعكس كل هذا بدوره على أسعار السلع والخدمات المقدمة من القطاع الصناعي والتجاري والخدمي في السوق المحلية، وكما هو معلوم فإن تكلفة استئجار المكاتب والمحال والمخازن ومنافذ البيع وغيرها من المحال التجارية؛ تستحوذ على وزن كبير نسبيا في مكون سعر البيع النهائي، ويجب ألا ينظر إلى هذا السبب المفسر على أنه مجرد مبرر لارتفاع الأسعار في السوق المحلية، بقدر ما إنه عامل لا يمكن تجاهله على الإطلاق في مسار بحث ودراسة أسباب ارتفاع تكلفة المعيشة بصورة عامة في البلاد، دع عنك درجة تأثيره في تحديد أسعار السلع والخدمات حسب المناطق والمدن. إذا نحن أمام عاملين رئيسين لارتفاع الأسعار في الاقتصاد المحلي، يتمثلان في (1) تفاقم أشكال الاحتكار في عديد من النشاطات الاقتصادية محليا. (2) تضخم أسعار الأصول العقارية ومن ثم تضخم تكلفة الإيجارات. وفي حال تكالبت تلك العوامل مجتمعة على سلعة أو خدمة بعينها، فإنك ستقف في مواجهة أعلى الارتفاعات في الأسعار. إن على وزارة التجارة والصناعة وهي في طور دراسة وبحث أسباب كل ما تقدم ذكره من مفارقات، ضرورة الإلمام الشامل بكل تلك العوامل بدءا من: (1) تفاقم أشكال الاحتكار في عديد من نشاطات الاقتصاد المحلي. (2) تفاقم سيطرة عديد من جنسيات العمالة الوافدة على نشاطات كثيرة تتوزع في النشاطات الرئيسة للاقتصاد الوطني (الزراعة، الصناعة، الخدمات). (3) تضخم أسعار الأصول العقارية، وانتقال أثرها مضاعفا إلى تكلفة الإيجارات، ومن ثم إلى أسعار البيع بالتجزئة على المستهلكين. (4) ديمومة الغش التجاري على الرغم من الحملات القوية التي بدأتها الوزارة خلال السنوات الأخيرة، والتي حدت بصورة ناجحة من تفاقم أشكاله، إلا أنها لم تصل حتى تاريخه إلى النتيجة المثالية المأمولة من قبل الأطراف كافة، وفي مقدمتها المستهلك الضحية الأولى والأكبر لتلك الممارسات المخالفة. تستمد أهمية أخذ كل تلك العوامل بعين الاعتبار من قبل مسؤولي وزارة التجارة والصناعة، للوصول بتشخيصها إلى واقع المشكلة الراهنة إلى درجة عالية الدقة، يمكن بناء عليها اتخاذ القرارات والتدابير والإجراءات الفاعلة، التي يؤمل معها تمكن الوزارة وبقية الأجهزة المعنية من تنفيذ وتطبيق شروط المعالجة الأكثر فاعلية، وإن إغفال أي من تلك العوامل أو التقليل من أهميته قد يؤدي مستقبلا إلى تفاقم حجمها، أو حتى التسبب في إيجاد مشاكل وتحديات أخرى نحن جميعا في غنى تام عن مواجهتها! ختاما؛ تظل مواجهة وزارة التجارة والصناعة منفردة لهذه المشكلة، جزءا محدودا من التحدي الأكبر المتمثل في الافتقار إلى حد ما إلى منظومة عمل حكومي تكاملي في مواجهة مختلف تحديات الاقتصاد الوطني، ولعل النجاح المنشود للوزارة في جهودها الراهنة تجاه هذه المشكلة تحديدا، يكون سببا في التحقق الفعلي لمنظومة العمل الحكومي المأمولة، أسوة بالنجاح المتميز الذي حققته الوزارة ضمن منظومة العمل المكونة من الأجهزة الحكومية والقطاع الخاص، ذلك المتعلق بالبرنامج السعودي لكفاءة الطاقة، الذي حقق خطوات متقدمة وناجحة طوال الأعوام الأخيرة، عكست بقدرة فائقة إمكانية الإنجاز وتحقيق الأهداف المنشودة كما خطط لها مسبقا، وهو الأمل أن تتكرر هذه التجربة الناجحة والرائدة على مستوى أعم وأشمل للاقتصاد الوطني في مختلف نشاطاته. والله ولي التوفيق.
إنشرها