FINANCIAL TIMES

الدنمارك وليست أمريكا هي الدولة الأهم في العالم

الدنمارك وليست أمريكا هي الدولة الأهم في العالم

تاريخ إنجلترا الساخر، في كتاب "1066 وكل هذا"، أوضح أن التاريخ توقف بعد الحرب العالمية الأولى، عندما تفوقت أمريكا على إنجلترا باعتبارها الدولة الأهم. مفهوم الدولة الأهم كان على جدول أعمال مؤتمر كونيجسوينتر الذي حضرته أخيرا. كان الضيوف منشغلين بالمنافسة بين الصين والولايات المتحدة وأيهما ستصبح الدولة الأهم في القرن الحادي والعشرين. لكن مع قيام جلسات متوازية بمناقشة مستقبل الاتحاد الأوروبي، أدركت أن هناك نقاشا كامنا بين وجهتي نظر مختلفتين عن العالم. بالنسبة لمختصي السياسة الخارجية، أمريكا هي الدولة الأهم. لكن من وجهة نظر اقتصادية ربما هي الدنمارك. في كتاب "1066 وكل هذا"، تعرف الدولة الأهم وفقا لقدرتها على ممارسة السلطة على الآخرين. الإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس والتي كانت فيها الملكة فيكتوريا إمبراطورة على الهند، التي لم تقم حتى بزيارتها، كانت تجسد مفهوم الدولة الأهم. لكن الدنمارك فقدت اهتمامها بممارسة السيطرة على الآخرين. في القرنين الماضيين، كانت النرويج قد فقدت ولاية شليسفيج هولشتاين وآيسلندا، ومن المحتمل أن تحصل جرينلاند الغنية بالموارد على استقلالها في وقت ليس ببعيد. ولا أحد يكترث كثيرا. الدنمارك صغيرة ومتماسكة اجتماعيا وغنية جدا. في الدراسات الدولية عن السعادة، عادة ما تكون في المرتبة الأولى أو قريبة منها. بالطبع، الدنمارك أيضا مملة نوعا ما. كتاب "الأشخاص القريبون من الكمال" تأليف مايكل بوث، يصف "قانون جانتي" - الانسجام والرضا الذاتي الساحقان في البلدات الصغيرة في البلد الذي تبناه. مع ذلك، بعد قرن حيث القارة الأوروبية عصفت بها حربان من الحروب الكارثية، اللتان تبدوان الآن بعيدتين وسخيفتين على حد سواء (كان هناك شيء سيريالي بشأن السفر إلى مؤتمر كونيجسوينتر هذا عبر مناظر طبيعية لا تزال تحمل آثار معركة عام 1945 للاستيلاء على برلين)، فإن معظم الأوروبيين يعتقدون أن الممل هو أمر جيد. كان الإنجليز قد عانوا فيما مضى من كتاب "الوهم الكبير" من تأليف نورمان أنجيل، الصحافي البريطاني وعضو البرلمان من حزب العمال الذي جادل في كتابه في عام 1909 ضد الأسطورة القائلة إن الرخاء هو نتيجة السيطرة القوية على الأراضي والموارد - والآن نحن أعلم منه. بدلا من ذلك، تم بناء ثروة الدنمارك على تصدير لحم الخنزير المقدد والأدوية للسيطرة على مرض السكري - تركيبة مناسبة - في أنحاء العالم كافة. هذا النوع من المشاركة العالمية هو الآن كاف بالنسبة لمعظم الأوروبيين. استفتاء العام الماضي على استقلال اسكتلندا كان، إلى حد ما، بمنزلة اختيار بين المفاهيم السياسية والاقتصادية بخصوص الدولة الأهم. هل كان الاسكتلنديون يرغبون في تجديد برنامج ترايدانت للغواصات النووية في المملكة المتحدة - التأكيد الحديث الضعيف أن بريطانيا تملك السيطرة على البحار - أم أنهم يفضلون أن يكونوا مثل الدنمارك؟ مثل هذه الجوانب التي أظهرها النقاش الاسكتلندي، فإن التهاون والتقوقع يمكن أن يذهبا بعيدا بما يتجاوز الحد. في السبعينيات، حزب التقدم برئاسة موجينز جليستروب، الذي اقترح استبدال قوات الدفاع في الدنمارك بإعلان مسجل باللغة الروسية يقول "نحن نستسلم"، أصبح ثاني أكبر حزب في برلمان البلاد. هناك دولة أخرى مرشحة لتكون الدولة الأهم اقتصاديا وهي سويسرا، التي حافظت على مدى قرون على المبدأ الأكثر حزما وهو "إذا لم تزعجنا، فلن نزعجك". جليستروب تجاوز الحدود كثيرا عندما سعى إلى إعلان الدنمارك منطقة خالية من المسلمين. لكن في انتخابات الشهر الماضي، حزب الشعب الدنماركي، خليفة حزب التقدم، فاز بأكثر من 20 في المائة من الأصوات. بعض مختصي الاقتصاد ينظرون إلى مفهوم الدولة الأهم بطريقة مختلفة: هل الناتج المحلي الإجمالي الصيني حتى الآن تجاوز الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة؟ هل عدد السكان المتزايد والنمو الاقتصادي في الهند سوف يمنحانها الناتج المحلي الإجمالي الأكبر على الإطلاق؟ لكنني لم أفهم قط لماذا هذه المنافسة مثيرة للاهتمام، باستثناء كونها دليلا على الموارد المتاحة لدعم النسخة العسكرية من مفهوم الدولة الأهم. وهذه ليست منافسة يبدو أن الهند، مثل الدنمارك، ترغب في دخولها. وهذا يصب في مصلحة ليس فقط الهنود والدنماركيين، وإنما في مصلحة العالم أجمع.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES