Author

السعادة .. أن يكون قلبُك على مدينتك

|
رمضانيات - 8 صالح الجريفاني من أهل الدمام، رجل في غاية التواضع، صامت أعظم الأحيان، باسم معظم الأحيان. ترى صالحا وتصطادك هذه الجاذبية الشخصية، وتقول لنفسك ما سر سعادة هذا الرجل؟ ما سر سعادتي وأنا أراه مقبلا، أو جالسا، صامتا مع ابتسامة عميقة تأتي من مكان منير في بساتين قلبه .. فيأخذك لعالمه استقطابا بلا إرادة منك؟ صالح الجريفاني يبدو رجلا في غاية العادية، ليست له أجندة سياسية، بل لا يتحمل الحديث عن السياسة، ولا يشجع كرة القدم ولا أظن أنه تابع يوما مباراة كرة متابعة كاملة ومهتمة .. فما بقي للرجل مع الناس حديث لأن السواد الأعظم يصرم وقته حديثا عن أمور السياسة أو ميادين الرياضة. إذن أمامك رجل فيه نقاء .. نقاء الذي يسير على هذه الأرض لا يحمل أجندة، ولا يتلوى حماسة أو تعصبا للعبة أو فريق، ولا لشيء. صالح له عالمه، عالم ليس مقفلا، بل مفتوح على مصراعيه أمام الناس، ولكنه لن يدخل أبدا عالمك ولا عالمي، حتى لو حاولنا. يعني أمامك رجل إذن صفت روحه من أمر آخر؛ إنه لا يتعامل مع شؤون الناس الخاصة، فدخل اتساعا أبيض بلا ثقوب ولا كدمات. طيب يا ناس أخبروني ما سر هذا الرجل؟ هو تقريبا أمامي لا يعمل شيئا، ولا يقول شيئا .. بل لا يوحي بشيء، وكأن روايته لم تبدأ بعد، صفحة بيضاء لم يخـط فيها سطر، لوحة فنان كل الألوان على المنضدة والريشة باليد، واللوحة ما زالت لم توضع فيها قطرة لون. أنا من الذين يؤمنون بأن السعداء حقا هم من يثنون على أعمال الآخرين، وأقول دوما إن من يثني على أعمال الناس يكون قد جاورهم بفضل العمل إن لم يتخطهم. فالثناء عند كثيرين عملية صعبة، والانتقاد والتقليل والتعدي سهلة ميسرة .. إنهم الناس الذين لا يعملون، ويسيئهم أن يعمل الآخرون. أبناء سالم العلي المحفوظ ، عبد الله وسليمان ورياض، كل أحالني إلى أخيه يقولون لي يجب أن تعرف ما يقوم به صالح الجريفاني لأن ما يعمله هو الإنارة ذاتها التي يتخبط المرء بحثا عنها .. حتى وصلت لمتحدثهم الرسمي شقيقهم الأصغر رياض. قال رياض: يقوم صالح الجريفاني فجرا، خصوصا بعد تقاعده من عمله مبكرا، ويجول بمدينته الدمام وكأنه ملاكها الحارس، وكأنه في مخيلة من أسرته في صغره صور الأبطال الجبابرة حماة مدنهم واحد منهم، يتفقد شوارع المدينة وجاداتها وحواريها، ويجمع الملاحظات يوميا عن أي خلل يراه في مدينته من رصف الشارع، إلى هدر المياه، إلى شكاوى الأهالي، ثم يرفعها لأمانة الدمام. والجميل أن أمانة الدمام تتفاعل مع صالح بالترحيب، وتحترم عمله وتتجاوب لكل ما يقدمه لهم من ملاحظات ومشاكل، وله محبة واحترام عندهم. وإن لم يكن هذا أجمل مشهد بين المصلحة الرسمية والمواطن .. فما تكون إذن؟! الآن فهمت. فهمت لماذا هذه الهالة الدائرة حول كيان هذا الإنسان العادي .. فصار ضخما فخما بعيني، وما زال بعين نفسه صامتا متواضعا لا يتدخل بأي شيء ما عدا التدخل اليومي لحبيبته: مدينته. مدينة الدمام. صالح من السعداء، وسعيد أنا أنه من معارفي.
إنشرها