Author

كفاءة إدارة أوقاف المؤسسات الخيرية والاجتماعية

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية
المؤسسات الخيرية والاجتماعية تلعب دورا كبيرا في تحقيق التنمية للمجتمع وقد تطورت في أعمالها كثيرا منذ بداية نشأتها، فنجد أنها اليوم تقدم خدمات متنوعة للمجتمع وتدير أعمالها بصورة أكثر تفصيلا وتخصصا، حيث أصبحت تغطي جوانب كثيرة من احتياجات المجتمع بل إن بعضا منها حاليا يعمل على بناء قدرات ومهارات أبناء المجتمع بما يحقق عائدا تنمويا للكفاءات البشرية من المواطنين، وهذا يساعد الفرد بصورة مباشرة وينعكس على تنمية فعلية في المجتمع، ويعزز من دور المؤسسات الخيرية والاجتماعية في المجتمع باعتبارها رافدا مهما وركيزة يعتمد عليها المجتمع في التنمية. من الجوانب المهمة التي بدأت المؤسسات الاجتماعية والخيرية العناية بها مسألة تنويع الموارد، وذلك لتمكين هذه المؤسسات من تسيير أعمالها بدلا من الاعتماد على مصدر واحد وهو التبرعات المباشرة، التي قد تكون متفاوتة من عام لآخر باعتبار المتغيرات التي قد تطرأ على المجتمع، ولذلك بدأ كثير من المؤسسات الخيرية والاجتماعية في العمل على تنويع مصادر الدخل ولعل أحد هذه المصادر الأوقاف، ولا شك أن هذا تطور جيد لتحقيق الاستدامة لأنشطة وأعمال المؤسسات الخيرية والاجتماعية، علما بأن التبرعات لإنشاء الأوقاف عمل خير يؤجر عليه المسلم، وهو أحد المصادر التي تحقق له استمرارا للثواب حتى بعد وفاته، وهو إحدى صور الصدقات الجارية التي تجعل عمل المؤمن الذي يثاب عليه مستمرا كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث - وذكر منها الصدقة الجارية" والأوقاف صدقة جارية يستمر ريعها للمتبرع ما دامت الاستفادة موجودة من الوقف. وهنا تأتي أهمية العناية بالأوقاف بصورة تجعل كفاءتها أفضل من جهة تحقيق عوائد أفضل ولمدة أطول، بما يحقق منفعة حالية للمؤسسات وعائدا في الآخرة للمتبرع وهو هدف مشروع بالنسبة له، ولذلك تنبغي العناية بأمور مهمة لتحقيق كفاءة في إدارة الأوقاف للمؤسسات الخيرية والاجتماعية ومنها: أولا: العناية باختيار نوع الاستثمار، حيث إن المؤسسات الاجتماعية والخيرية تركز بصورة كبيرة على العقارات الريعية وهذا اختيار مناسب ولكن كما هو معلوم من قواعد الاستثمار أنه ينبغي عدم وضع البيض كله في سلة واحدة، سواء من جهة نوع الاستثمار أو مكانه أو طبيعته، ولعل حرص المؤسسات الاجتماعية على اختيار نوع الاستثمار الأقل مخاطرة يجعلها تفضل مثل هذا النوع من الاستثمارات لكن ينبغي ألا يكون هو الخيار الوحيد، إذ إن التنوع في الاستثمارات أمر مهم لتحقيق عوائد مناسبة، ومن التجارب المحلية نجد أن وكالة وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف لشؤون الأوقاف اليوم تستثمر في الأسهم على سبيل المثال، وتوجد اليوم استثمارات مثل الصكوك الإسلامية، وصناديق استثمارية متنوعة يمكن أن تحقق عوائد جيدة ومستدامة للمؤسسات الخيرية والاجتماعية. ثانيا: إدارة أوقاف المؤسسات الخيرية والاجتماعية ينبغي أن تتم باحترافية عالية، إذ إنه لا يمكن أن يوكل الأمر إلى موظف غير متخصص، لأن من شأن ذلك أن يؤدي إلى تفويت فرص وعدم تحقيق الاستدامة للموارد بصورة جيدة، حيث إن الاستثمار اليوم علم له قواعده وضوابطه ومعاييره، وإيكال الأموال الضخمة إلى أشخاص غير متخصصين قد يؤدي إلى أخطاء جسيمة في الاستثمار، ومن هنا تأتي أهمية أن تكون للمؤسسات الخيرية والاجتماعية خيارات منها أن توكل جهة متخصصة من شركات الاستثمار لإدارة أموال المؤسسة مع الأخذ بالاعتبار الاستثمار في أدوات منخفضة المخاطر وتحقق عوائد مستمرة لتلك المؤسسات، أو أن تكون لهذه المؤسسات إدارة خاصة بالاستثمار تتولى إدارة استثمارات المؤسسة. ثالثا: أهمية العناية بالرقابة والمحاسبة إذ إن إدارة الأموال مسألة حساسة جدا، واحتمال إدارتها أو استغلالها بصورة خاطئة أمر وارد، بل إن حماية موظفي المؤسسات الخيرية والاجتماعية والمتعاونين معها من أي تهمة قد تطولهم مستقبلا مسؤولية، وبوجود أنظمة رقابية ومحاسبية وشفافية عالية سيكون له أثر في حماية هذه المؤسسات وموظفيها، إضافة إلى الانضباط في أعمال المؤسسات بصورة أكبر. رابعا: من المهم العناية بالتنسيق بين المؤسسات الخيرية والاجتماعية فيما بينها، وبين المؤسسات الاجتماعية والخيرية والجهات ذات العلاقة مثل وزارة الشؤون الاجتماعية ووكالة الأوقاف في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، والمصارف وشركات الاستثمار بمختلف أنشطتها، والجامعات والمتخصصين في مجال الأوقاف واستثماراتها، وذلك من خلال لقاءات خاصة أو ملتقيات علمية للمناقشة والتباحث في المستجدات في مجال الأوقاف. خامسا: الاستفادة من التجارب العالمية في مجال استثمار الأوقاف، فالعالم اليوم يتطور كثيرا في مجال الأوقاف فعلى سبيل المثال نجد أن كثيرا من الجامعات العريقة عالميا لديها أوقاف ضخمة جدا، وتديرها باحترافية عالية جعلت من محفظتها للأوقاف تنمو بصورة جيدة، رغم التقلبات الاقتصادية التي يشهدها العالم، كما أن وجود حجم جيد من الأوقاف لديها أسهم في زيادة قدراتها وكفاءتها وتفوقها عالميا في مجالها. فالخلاصة أن تطور أعمال المؤسسات الخيرية والاجتماعية وحرصها حاليا على تنويع وتعظيم الموارد من خلال الأوقاف أمر جيد، ولكن تنبغي العناية بأمور تتعلق بإدارة الأوقاف تعزز من كفاءة إدارة تلك الأموال وتحقق للمؤسسات الخيرية والاجتماعية أفضل الفرص والعوائد.
إنشرها