Author

شركات للضمان الاجتماعي

|
الاستدامة شرط نجاح القرار التنموي، وهي المعيار الذي على أساسه يتم تقويم أداء أنشطة ومشاريع وبرامج الخطط التنموية. والمقصود بالاستدامة هو استمرارية الاستفادة من الموارد الطبيعية وتدفق منافعها وتجددها في الحاضر وفي الوقت ذاته حفظ حق الأجيال القادمة في العيش الكريم. ولا شك أن هناك إنفاقا سخيا من الدولة موجها نحو رفع مستوى الرفاهة الاجتماعية وهو مطلب مهم، إلا أنه يبقى في مجال الاستهلاك وليس الاستثمار المستدام. وهذا أمر يستحق التنبه له ومعالجته لسببين: الأول أن الإنفاق الاستهلاكي في ظل الاعتماد على العمالة الأجنبية يقلل من الاستفادة من الإنفاق الحكومي، بل يضعف القدرة الاقتصادية الوطنية بتسرب أموال ضخمة خارجه. الأمر الآخر أن الإنفاق الاستهلاكي يمنح شعورا خادعا بعافية الاقتصاد الوطني ويعطل العلاقة بين الدخل والإنتاجية فتتولد ثقافة الاتكالية والتراخي واللامبالاة. صحيح أن هناك ضرورات اجتماعية ملحة تحد من التفكير في المستقبل وتجبر صاحب القرار على تلبيتها في المدى القصير، غير أن الاستغراق في تلبية احتياجات الحاضر دون الحرص على التخطيط للمستقبل قد يؤدي إلى تفاقم المشكلات الاجتماعية ومن ثم صعوبة معالجتها. إن أهم مشكلتين تواجهان المجتمع في الوقت الراهن هما الفقر والعطالة، وهما وجهان لعملة واحدة. فالفقر يؤدي إلى العطالة، والعطالة تؤدي إلى الفقر، وكان لا بد من كسر هذه الحلقة بمعالجة جذرية ومستدامة. وإذا كانت المساعدات المالية التي يقدمها الضمان الاجتماعي تساعد المعوزين على مواجهة ظروف الحياة الصعبة، إلا أنها تظل وقتية وخطورتها أن البعض يراها إجراء مستمرا ولا يحرص على السعي إلى الانعتاق من الاعتماد عليها والبحث عن عمل. قد يرى البعض أن هذا الطرح نظري ومثالي ولا يمت إلى الواقع بصلة، خاصة أن هناك شحا في الوظائف ولا أقول الأعمال. من هنا كان المطلب الأول هو في تطوير قدرات المستفيدين من الضمان الاجتماعي عبر برامج تدريبية تكون معدة خصيصا لهم، ويمكن أن يكون ذلك بالاتفاق مع المعاهد المهنية. الجديد هنا هو اشتراط الانخراط في برامج تدريبية والحصول على شهادة مهنية من أجل الحصول على المساعدة المالية من الضمان الاجتماعي. بطبيعة الحال يستثنى من ذلك كبار السن والعاجزون. المطلب الثاني هو التحول التدريجي من دفع المعونات المالية للمعوزين مباشرة إلى الاستثمار في شركات صناعية وتجارية يمنح كل واحد منهم عددا من الأسهم ليكون دخلا مستمرا للأسر المحتاجة، والأهم توليد وظائف جديدة تمنح أولوية التوظيف فيها لأبنائها. وسيتحقق من ذلك الكثير من المنافع تتعدى التأثير الإيجابي في الأفراد إلى زيادة إنتاجية الاقتصاد الوطني وتعزيز ثقافة العمل والربط بين الإنتاجية والدخل. يبلغ ما يتم صرفه سنويا على المستفيدين من الضمان الاجتماعي ما يقارب 24 مليار ريال سنويا، وهو رقم ضخم يمكن الاستفادة منه بطريقة أكثر كفاءة وأكثر استجابة لمتطلبات المعوزين على المدى الطويل. وقد يكون من الأجدى توجيهه نحو تعزيز القدرات الاقتصادية للأفراد الأقل حظا في المجتمع من خلال رؤية جمعية تشاركية عبر الاستثمار الجماعي، فالمبالغ على مستوى الأفراد قد تبدو قليلة، ولكن في مجملها تمثل رأس مال كبيرا يمكن أن تؤسس به شركات ومصانع تدر عوائد لهم على المدى الطويل كمساهمين. هذا يستلزم تكوين لجنة يكون أعضاؤها من وزارات الشؤون الاجتماعية، والتجارة والصناعة، والاقتصاد والتخطيط تنظر في مجالات استثمار مبالغ الضمان الاجتماعي حتى ولو على صيغة قروض من الدولة يتم استرجاعها على المدى الطويل من مستحقات الضمان الاجتماعي. إن المبادرة في توظيف الأموال العامة بطريقة تضمن استدامة العوائد أمر في غاية الضرورة. فالتحديات المستقبلية تستوجب التفكير الاستباقي ووضع تصورات جديدة لما ينبغي عمله. ومع أن الخروج عن المعتاد وطرح أفكار وأساليب جديدة في العمل الحكومي أمر غير سهل، لكنه ضروري يتعلق بإمكانية مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية المستقبلية. لا بد من التحول من ضمان العيش إلى ضمان العمل، وهذا يتطلب إعادة تثقيف المستفيدين من الضمان الاجتماعي الذين مضى عليهم وقت طويل وهم يعتمدون على تلك المساعدات واستطاب لهم المكوث في الوضع نفسه دون الاندفاع إلى البحث عن حلول لمشكلاتهم الاقتصادية. هذه قضية جوهرية تستدعي برامج تدريبية وتوعوية مكثفة. ونقترح المبادرة بطرح برنامج يسمى "احتطب" مستوحاة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "اذهب فاحتطب ..." يستهدف تشجيع المعوزين على العمل الحر وريادة الأعمال بمساعدة من البلديات والمؤسسات الخيرية إضافة إلى قروض ميسرة من بنك التسليف والادخار.
إنشرها