Author

الأمن المائي .. تحد تنموي لا حدود لأخطاره

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
حدد الكاتب عشرة تحديات يواجهها الاقتصاد الوطني، تبلورت لديه من خلال المتابعة المستمرة للتطورات الاقتصادية والمالية طوال العقدين الماضيين، وتحدث بالتفصيل عن أغلب تلك التحديات طوال العامين الأخيرين، وأتى الوقت الواجب للحديث عما لم يتم التطرق إليه بالتفصيل. ولكن قبل أن أتطرق لموضوع المقال هنا، أرى من الضرورة التذكير بكامل التحديات التنموية العشرة، وهي: (1) تحديات السوق العقارية. (2) تحديات سوق العمل. (3) تأخر درجة تقدم تنويع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد الوطني. (4) الفساد. (5) قصور أداء الأجهزة الحكومية. (6) الاستهلاك المفرط لمواردنا من الطاقة. (7) ضعف دعم المنشآت المتوسطة والصغيرة. (8) استمرار تفاوت مستويات التنمية بين المناطق الحضرية الكبرى والحضرية الصغرى "النائية". (9) تفاقم أشكال اقتصاد الظل "الاقتصاد الأسود". (10) الأمن المائي والغذائي. التحدي الأخير هو موضوع المقال هنا؛ ولأهميته فقد أفرد للجزء الأول منه ممثلا في الأمن المائي، على أن يأتي الحديث لاحقا عن الأمن الغذائي، إنهما موضوعا الأمن الحيوي الأهم بالنسبة لأي أمةٍ على وجه الأرض، وهما اللذان يشكلان الوزن الأثقل في ميزان وجودنا الحيوي، وكلاهما على درجة عالية جدا من الحساسية التي تتجاوز حساسية بقية التحديات التنموية التسعة الأخرى! فبالنظر إلى استهلاك المياه وفقا لأحدث البيانات المنشورة، يتبين أن حجم الاستهلاك المنزلي وحده قد ارتفع بنهاية 2014 إلى نحو 2.9 مليار متر مكعب "بمتوسط استهلاك يومي للفرد يعادل 256 لترا"، تجاوز متوسط نمو الاستهلاك السنوي للمياه خلال آخر ثلاثة أعوام سقف الـ5.0 في المائة! ويتم تلبية هذا الاستهلاك المتنامي للمياه من خلال مصدرين رئيسين، الأول المتمثل في المياه المحلاة والمنتجة من محطات التحلية، التي وصل عدد المحطات العاملة بنهاية 2014 إلى 28 محطة على الساحلين الشرقي والغربي، بلغ إنتاجها السنوي 1.14 مليار متر مكعب "متوسط إنتاج يومي 3123 ألف متر مكعب"، أي ما يلبي أقل من 40 في المائة من حجم الاستهلاك السنوي من المياه، فيما تم تلبية النسبة المتبقية من المياه الجوفية الناضبة، وكلا المصدرين يحتمل كثيرا من التحديات الجسيمة، فالأول يتطلب تحمل تكلفة مادية عالية، والثاني ناضب وشبه معدوم الفرص بالنسبة لتعويضه. يقوم مفهوم الأمن المائي على ركيزة رئيسة تستهدف في الدرجة الأولى؛ تحقيق الكفاية والضمان عبر الزمان والمكان في مجال تلبية الاحتياجات المائية المختلفة كما ونوعا، مع ضمان استمرار هذه الكفاية دون تأثير بالاعتماد على تحسين وزيادة كفاءة استخدام المتاح من المياه المتوافرة، والعمل على تطوير أدوات وأساليب تلك الاستخدامات، إضافة إلى تنمية تلك الموارد المتاحة من المياه الحالية، وأخيرا القيام بالبحث عن موارد جديدة، سواء كانت تقليدية أو غير تقليدية. وهذا المفهوم يربط بين الأمن المائي وبين ندرة المياه. وفي بلاد كبلادنا التي تشكل الصحراء أكثر من ثلاثة أرباع مساحتها الشاسعة "لا يتجاوز معدل هطول الأمطار 70 مليمترا سنويا"، تعد المياه من أندر الموارد الحيوية فيها، مقارنة بالموارد الطبيعية الأخرى المتوافرة فيها، ولا تتجاوز نسبة المياه الجوفية المتجددة من مخزون المياه الجوفية لدينا 11.7 في المائة، مقابل ما تصل نسبته إلى 88.3 في المائة التي تمثل المياه الجوفية غير المتجددة! نتيجة زيادة استخدام المياه في الأغراض الزراعية والصناعية، وأن الطلب الإجمالي على المياه في السعودية سيزداد، وفقا لمعدلات الاستهلاك الراهنة إلى أن يتجاوز بحلول 2020 سقف الـ 34.7 مليار متر مكعب، يقدر أن يتجاوز الاستهلاك المنزلي في ذلك العام سقف الـ 3.8 مليار متر مكعب بحلول 2020 "نحو 11 في المائة من إجمالي الاستهلاك"، بمعدل نمو سنوي في المتوسط يبلغ 4.9 في المائة، وأن تستأثر التجمعات السكانية في المدن الكبيرة التي يزيد عدد سكانها على 250 ألف نسمة بنحو سبعة أعشار إجمالي الاستهلاك المحلي من المياه "يقدر أن يصل عدد تلك المدن لنحو 17 مدينة بحلول 2020". كما يقدر نمو الطلب الصناعي للمياه إلى نحو 2.1 مليار متر مكعب بحلول 2020 "نحو 6 في المائة من الإجمالي"، وأن يرتفع الطلب الزراعي إلى نحو 28.8 مليار متر مكعب بحلول 2020 "نحو 83 في المائة من الإجمالي". وتشير التوقعات في الخطط التنموية إلى احتمال زيادة الاعتماد في تلبية الطلب على مياه التحلية كرديفٍ مساند للمياه الجوفية، الذي يؤكد بدوره أهمية رفع الكفاءة الإنتاجية والاقتصادية لصناعة التحلية وخفض تكاليفها، إضافة إلى أهمية تطوير مصادر المياه الجوفية والسطحية. كما ترجح الخطة التنموية أن تلبي أغلب احتياجات القطاع الصناعي في هذا الخصوص من المياه المعالجة، وذلك أسوة بالتجارب الناجحة لعديد من الدول الصناعية الكبرى. وقد وضعت الحكومة عديدا من الأهداف والسياسات والبرامج الساعية لتحقيق وتلبية متطلبات كل قطاع، ويتحول التفكير هنا إلى إلقاء كثير من التساؤلات حول مدى نجاح أو تقدم تلك الطموحات "التخطيطية"، خاصة أننا وفق ما نراه ونسمعه، بل نعايشه على امتداد مدن وقرى السعودية أصبحنا نتلمس بشكلٍ مباشر الأزمات المفاجئة للمياه، ممثلة في عديد من إشكالاتها المتنوعة كالانقطاعات المتكررة في عديد من أحياء أغلب المدن الكبرى والمتوسطة، دع عنك القرى والهجر التي ما زال أغلب سكانها يفتقرون إلى الحد الأدنى من الشروط الملائمة للمياه الصحية. إننا أمام تحدٍ تتطلب مواجهته الفاعلة نمطين من التعامل، النمط الأول: تحسين وزيادة الاعتماد على أدوات الترشيد، التي تبين الدراسات الأولية إمكانية توفيرها لنحو 30 إلى 40 في المائة من حجم استهلاك المياه الراهن! النمط الثاني: رفع الكفاءة الإنتاجية والاقتصادية لصناعة التحلية وخفض تكاليفها، وزيادة الاعتماد على الوسائل المتقدمة في مجال معالجة المياه المستخدمة "يمكن معالجة نحو 60 في المائة من المياه المستخدمة في المنازل بالمدن الرئيسة والاستفادة منها، خاصة في تلبية احتياجات القطاع الصناعي". يحق المطالبة بتحول ملف "الأمن المائي" إلى شعارٍ وطني نعمل جميعا بكل أطيافنا الرسمية والأهلية والاجتماعية على تحقيقه، وأن يسخر على وجه السرعة لأجله الموارد والإمكانات اللازمة، إذ إن التقديرات العالمية تشير إلى احتمال ارتفاع عدد الدول التي تعاني أزمة مياه حقيقية بنهاية عام 2020 إلى نحو 40 دولة يقع معظمها في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وليس بجديدٍ أن تنظر الهيئات والمنظمات الدولية المعنية بالأمن الغذائي والمائي إلى منطقة الخليج على أنها أسوأ منطقة قد تواجه أزمة مياه في العالم، وذلك لما تعانيه المنطقة من عجز مائي يتوقع أن يرتفع إلى نحو 31 مليار متر مكعب بحلول 2025. يتوافر عديد من الأفكار والرؤى في مجال ترشيد وتحفيز الإنسان على التعامل مع الماء على أنه وسيلة البقاء الأولى والأخيرة، وتلك قضية تستحق منا جميعا أن نتدخل لتضمينها في مناهجنا التعليمية، ومن خلال مختلف وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي على حد سواء، وعبر وسائل الاتصال مع أفراد المجتمع كافة. والله ولي التوفيق.
إنشرها