Author

مصير «إغريقي» في مأساة أوروبية

|
ربما أخطأ وزراء مالية الاتحاد الأوروبي في رفضهم تمديد برنامج إنقاذ اليونان المالي لمدة خمسة أيام أخرى، إلى ما بعد الاستفتاء الذي أعلنته الحكومة اليونانية، الأحد المقبل. سيكون لدى رئيس الوزراء اليوناني المتشدد أليكسيس تسيبراس حجة، أن شركاءه الأوروبيين لا يتعاونون، أو أنهم يريدون القضاء على كل إمكانية لحل الأزمة المتمثلة في تسديد الديون، ورصد أخرى ضمن برنامج الإنقاذ العام. ولكن الأمر لا ينحصر فيما إذا أخطأ وزراء مالية أوروبا أم أصابوا. الأمر برمته يعود إلى رغبة اليونانيين أنفسهم في الاستمرار ضمن منطقة اليورو، التي بلا شك وفرت لهم روافد جمة، لا يمكن أن ينعموا بها بمفردهم. صحيح أن الشروط الأوروبية والقيود كبيرة، لكن الصحيح أيضا، أنها تمثل مخارج تحتاج إليها اليونان الآن.. والآن على وجه التحديد. تواجه اليونان مصيرها مباشرة في الوقت الراهن، ضمن مأساة أخذت طابعها الأوروبي من اللحظة الأولى، ودمغها اليورو في الوقت نفسه. والأزمة كبيرة، ليس فقط لأنها تنال من الحالة الأوروبية بشكل عام، ولكن لأن روابطها الدولية موجودة. سواء عبر دول منفصلة، أو من خلال مؤسسات دولية تشارك فيها دول كبرى ومتوسطة. ولأن الاقتصاد العالمي لم يعد نخبويا (بصرف النظر عن محاولات البعض جعله كذلك)، فإن الأزمة تمس العالم أجمع بدرجات متفاوتة بالطبع. وحتى البلدان البعيدة اقتصاديا عنها، ستمسها معنويا، إنه عالم متداخل تتقدم فيه الأزمات أكثر من الحلول، وسيبقى على هذا الشكل لأمد لن يكون قصيرا. على الرغم من أن اليونان ليست دولة كبرى، أو مؤثرة بصورة دراماتيكية على المشهد الاقتصادي العالمي العام. يوم الأحد المقبل، سيحدد اليونانيون مصيرهم بأنفسهم. فإما أن يختاروا البقاء ضمن منطقة اليورو، في حال صوتوا في الاستفتاء بــ "نعم"، أو أن يجنحوا إلى الخروج فيما لو صوتوا بــ "لا". فالــ "نعم"، ستقذف على الفور بحكومة تسيبراس إلى خارج السلطة؛ ما سيفسح المجال أمام دول منطقة اليورو للتفاوض مع حكومة جديدة، ستكون بالضرورة أكثر مرونة من نظيرتها الحالية، بل أكثر طاعة "إن جاز القول". فعلينا ألا ننسى، أن قادة اليورو، وعلى وجه الخصوص المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، لا يتفاوضون مع اليونان على مبدأ الند للند. بل وفق مفهوم اليد العليا واليد الدنيا. والحق، أن برلين لم تستطع طوال السنوات القليلة الماضية، أن تهذب من لهجتها حيال اليونان في هذه المسألة. الجميع يريد اليونان في اليورو، بما فيها الولايات المتحدة والصين وروسيا التي لا تنتمي إلى هذه المنطقة. ولكن السؤال يبقى: هل يرغب اليونانيون البقاء في المنطقة المذكورة؟ بل هل يعرف هؤلاء تبعات البقاء والخروج بالصورة الصحيحة؟ لا يعرف عامة الناس التبعات. وهم يعرفون فقط أن أي اتفاق مع شركائهم الأوروبيين ينبغي ألا يمس حياتهم المعيشية، التي عانت منذ انفجار الأزمة الاقتصادية العالمية الكثير. لكن في النهاية، تبقى تكاليف الخروج أشد وطأة من تكاليف البقاء. لا يوجد في أي منطقة من هذا العالم إنقاذ مجاني، خصوصا عندما يكون المنقذون أنفسهم في حالة غير جيدة، بل في بعض الأحيان مضطربة. فعلى الجميع أن يدفع، حسب مشكلته، ووفق المعايير التي تفرضها الاستحقاقات. قد تخرج اليونان من اليورو، وربما قد تخرج من الاتحاد الأوروبي نفسه، لكن الأذى الأكبر سيصيبها أكثر من المجموعة. ليس فقط لأن الاقتصاد اليوناني لا يمثل أكثر من 3 في المائة من حجم اقتصاد منطقة اليورو ككل، بل لأن الدول الكبرى في الاتحاد متمسكة به رغم كل التكاليف، وكل الآلام.
إنشرها